الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد حكى ابن الأنباري: تقول العرب: هو أخير وأشر، وما أخيره وما أشره (1).
والشرارة والشرية نقيض الخير، كما في "القاموس"(2).
ويقال فيه: شررت يا رجل - مثلثًا -.
وقد روى ابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيْحُ لِلْخَيْرِ مَغَالِيْقُ لِلشَّرِ، وإنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيْحُ لِلشَّرِّ مَغَالِيْقُ لِلْخَيْرِ، فَطُوْبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيْحَ الْخَيْرِ عَلَىْ يَدَيْهِ، وَويلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيْحَ الشَرِّ عَلَىْ يَدَيْهِ"(3).
واعلم أن الإكثار من الشر يوجب معرفة المكثر منه به كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: مَنْ أَكْثَرَ من شيء عُرِف به؛ كما رواه ابن أبي شيبة، والعسكري في "الأمثال"(4).
16 - ومنها: الطغيان
.
قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)} [الشمس: 11].
والطغوى، والطغو، والطغيان - بضم الطاء، وكسرها -: مجاوزة القدر، أو الغلو في الكفر، أو الإسراف في المعاصي والظلم، أو الارتفاع.
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (4/ 437).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 531)(مادة: شر).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه العسكري في "جمهرة الأمثال"(1/ 20)، وكذا ابن أبي الدنيا في "الحلم" (ص: 77)،
قال في "الكشاف": والباء فيه؛ أي: في قوله تعالى: {بِطَغْوَاهَاَ} مثلها في: كتبت بالقلم (1)، يجعلها للاستعارة؛ أي: متقوية بطغواها.
وقال القاضي: بسبب طغواها؛ يجعلها للسببية (2).
قلت: ويحتمل أن تكون بمعنى مع، أو في؛ أي: كذبت متلبسة بطغياها مصاحبة له.
وجعلها آخرون للتعدية؛ أي: بعذابها التي وعدت به (3).
والطغوى اسم العذاب كالطاغية كما قال تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)} [الحاقة: 5]؛ أي: الصيحة المجاوزة للحد في الشدة، والأخذ، والطغيان بسبب حلول الغضب والهلاك بالإنسان.
قال الله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)} [طه: 81].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ} يقول: لا تظلموا (4).
وقال ابن زيد رحمه الله تعالى: الطغيان فيه أن يأخذه بغير حله.
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (4/ 764).
(2)
انظر: "تفسير البيضاوي"(5/ 496).
(3)
انظر: "فتح القدير" للشوكاني (5/ 449).
(4)
ورواه الطبري في "التفسير"(16/ 193).
رواهما ابن أبي حاتم (1).
واعلم أن الطغيان قد يكون في طلب المال كما فسرت به هذه الآية، فيكون تناول أموال الناس بالباطل.
وقد يكون بسبب الغنى بالمال، ومنه قوله تعالى:{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6، 7].
ولا أدري أي الطغيانين أشد إثمًا؛ لأن الأول سببه عدم الرضا بما قدره الله تعالى، والطمع فيما لم يأذن فيه الله، والثاني بسبب الطمع وعدم القناعة، والحسد، ومنازعة أمر الله تعالى، والكل مهلكات.
ومن فتح عليه باباً من الطغيان يوشك أن لا يدع منه باباً إلا دخله، ولا حالًا إلا تلبس به، فيخشى عليه أن يهلك بالطاغية التي هلكت بها ثمود، أو ما يشاكلها.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما: منهومان لا يشبعان: صاجا علم، وصاجا دنيا؛ فأما صاجا العلم فيزداد رضى الرحمن، ثم قرأ:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان، ثم قرأ:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6، 7]. رواه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي موقوفًا (2).
وروى صدره الطبراني، والقضاعي مرفوعاً عنه، والبزار عن ابن عباس،
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 590).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3450)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 300) وقال: هذا موقوف وهو منقطع.