الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من العلوم العقلية والنقلية، ولقد خلطوا بذلك بين الخاثر والزباد، ولم يفرقوا بين غَي ورشاد، ولم يلذ لهم إلا خطاب أبناء فنِّهم في خطبة بَنات أفكارهم لتحصيل هذا المراد، ولو كان فيهم من دعاهم إلى ما تجول فيه بنات أفكار الأخيار من وصال أبكار المعاني الجاذبة لقلوب الأبرار إلى دار القرار، وزجرهم عما هم فيه من الغي، وقال:{أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78] لقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79]، ولو كان فيهم شعيب لجادلوه ليستميلوه إلى ما تشعبت بهم فيه شعب الترديد، ولقال لهم:{وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89].
كم نتقلب في عصر خؤون ليس لنا فيه مساعدون؛ فإنا لة وإنا إليه راجعون.
129 - ومن أخلاق الشيطان اللعين: محبة سماع ما كان من هذا القبيل من الأشعار
.
فقد روى الطبراني بإسناد حسن، عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ رَاكِبٍ يَخْلُو فِيْ مَسِيْرهِ بِاللهِ وَذِكْرِه إِلَاّ رَدِفَهُ مَلَكٌ، وَلا يَخْلُو بِشِعْرٍ وَنَحْوِهِ إِلا رَدِفَهُ شَيْطَانٌ"(1).
وتقدم في حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: أن إبليس قال
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 324). وحسن الهيثمي إسناده في "مجمع الزوائد"(10/ 131).
لله تعالى: اجعل لي قرآناً، قال: الشعر.
وهذا محمول على الشعر المكروه والمحرم دون المستحسن والمباح كالأشعار المشتملة على ذكر الله تعالى، أو مدح نبيه صلى الله عليه وسلم أو الأنبياء عليهم السلام، أو الصحابة، أو العلماء، أو بيان حكم شرعي، أو حكمة مرعية، وكالحداء.
وقد علمت مما سبق أن الشعر كلام؛ فحسَنه كحسنه، وقبيحُه كقبيحِه، كما في الحديث (1)، وما كان منه قبيحا فهو قرآن الشيطان.
وحكي عن الفراء قال: أنشدني صبي من الأعراب أرجوزة أعجبتني، فقلت: لمن هذه؛ فقال: لي، فأنكرته، فأنشدني ارتجَالاً:[من الرجز]
إِنِّي وإنْ كُنْتُ صَغِيْرَ السِّنِّ
…
وَكانَ فِيْ الْعَيْنِ نُبُوٌ عَنِّي
فَإِنَّ شَيْطانِي أَمِيْرُ الْجِنِّ
…
يَذْهَبُ بِي فِي الشِّعْر كُلَّ فَنِّ (2)
وقد تقدم الشعر الذي أنشده الشيطان على أبي قبيس يحرض
(1) رواه البخاري في "الأدب المفرد"(865)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(7696) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
ورواه الإمام الشافعي في "المسند"(ص: 336)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 68) عن هشام بن عروة عن أبيه، وقال: هذا منقطع.
ورواه أبو يعلى في "المسند"(4760)، والدارقطني في "السنن"(4/ 155) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
انظر: "ربيع الأبرار" للزمخشري (1/ 216).