الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوح في وصيته لابنيه عليهم السلام على النهي عن الكبر والشرك كما روى الإِمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، وصححه الحاكم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ نُوْحًا عليه السلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا ابْنَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي آمُرُكُمَا بِاثْنتَيْنِ، وَأَنْهَاكُمَا عَنِ اثْنتَيْنِ؛ أَنْهَاكُمَا عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ، وَآمُرُكُمَا بِلا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ؛ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَوْ وُضِعَتْ فِيْ كفَّةِ الْمِيْزَانِ وَوُضِعَتْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِيْ الْكَفَّةِ الأخْرَى لَكَانَتْ أَرْجَحَ مِنْهَا، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتْ حَلَقَةً فَوُضِعَتْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ عَلَيْهَا لَقَصمَتْهَا، وَآمُركُمَا بُسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدهِ، فَإِنَّهَا صَلاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ كُلُّ شَيْءٍ"(1).
15 - ومنها: مقابلة الإحسان بالإساءة
.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 25، 26].
فانظر إلى تودد نوح إليهم، ونصحه لهم بدعوته إيَّاهم إلى توحيد الله، وشفقته عليهم حتَّى خاف عليهم العذاب، ثم انظر كيف قابلوا هذا بما حكاه الله عنهم بقوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 225)، والبخاري في "الأدب المفرد"(548)، والحاكم في "المستدرك"(154).
وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} [هود: 27]؛ فأنكروا فضله وفضل من تبعه في نصيحتهم، ثم كانوا يتجاوزون إلى إهانته وضربه.
قال عبيد بن عمير رحمه الله تعالى: إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه، ثم يفيق فيقول: اهْدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون. رواه ابن أبي شيبة، والإمام أحمد في "الزُّهد"(1).
وفي "الصحيحين" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء قد ضربه قومه وهو يمسح الدَّم عن جبينه، وهو يقول: اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون (2).
فسبحان الله ما أكرم أخلاق الأنبياء عليهم السلام كيف كانوا يحملون جفاء أقوامهم، ثم يعطفون عليهم.
وكذلك أخلاق الأبدال من أولياء الله تعالى، ولسان حال البدل مع من يقابل نداه بأذاه يقول كما قلت:[من الوافر]
أَخافُ عَلَيْكَ إِشْفاقًا عَلَيْكا
…
وَأُهْدِي النُّصْحَ مِنْ كَرَمِي إِلَيْكا
وَأَنْتَ تُسِيْءُ عَنْ لُؤْمٍ إِلَيْنا
…
ألمْ تَذْكُرْ أَيادِينا لَدَيْكا
وَقَدْ أَصْرَرْتَ لَكِنَّا صَبَرْنا
…
فتبْ نَمْلأْ بِجَدْوانا يَدَيْكا
وقد حكي أن البهلول كان الصبيان يضربونه بالأحجار حتى
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35008)، والإمام أحمد في "الزهد" (ص: 55).
(2)
رواه البخاري (3290)، ومسلم (1792).
يدموه، فكان ينشد ويقول:[من الرمل]
حَسْبِيَ اللهُ تَوَكَلْتُ عَلَيْهِ
…
وَنَواصِي الْخَلْقِ طُرًّا فِي يَدَيْهِ
رُبَّ رامٍ لِي بِأَحْجارِ الأَذَى
…
لَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنَ الْعَطْفِ عَلَيْهِ (1)
ثم قد يؤدي الإصرار على أذية أولياء الله تعالى إلى غضب الله تعالى، فتحق على المصر كلمة العذاب، إلا أن قوم نوح لما تمادوا في الطغيان والفجور، والسَّفَه عليه وعلى أصحابه المؤمنين، وإيذائهم كيف دمر الله آخراً عليهم، ونهاه عن العطف عليهم، فقال تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود: 36].
وقال تعالى: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 37].
فلم يسع نوحا عليه السلام بعد ذلك إلا أن قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26].
ولذا قال الشيخ رضي الدين جَدي رحمه الله تعالى حيث يقول: [من السربع]
أيُّها الْواقِفُ مَعْ نَفْسِهِ
…
في مَقامِ الْوَهْمِ وَالْغَلَطِ
(1) انظر: "شعب الإيمان" للبيهقي (8095).