الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجنون لتوافق قومها، وفي طبع الولد ميل إلى والدته، وإذا تعارضا مال إلى أحدهما، وميل كنعان إلى أمه أرداه.
وحكم الولد مع والديه إذا اختلفا في الدين أن يكون مع المسلم منهما، فإذا اتفقا في الدين والاعتقاد قدم أباه في الطاعة وأمه في البر؛ لأن الأم أضعف فناسبها زيادة البر، والأب أتم عقلاً فناسبه التقديم في الطاعة، وكثيراً ما ترى من هذه الأمة من يميل مع أمه على أبيه بغير عقل يرجع إليه، بل لمجرد موافقة هوى الأم، خصوصًا إذا تزوج غيرها، وفي ذلك تشبه بكنعان.
3 - ومنها: عدم المحافظة على ود الوالد والأستاذ
.
فإن كنعان خرج عن وداد أبيه بقوله: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]؛ فإنه لو كان ودودًا لأبيه لما رضي مفارقته ولو كان في مهلكة؛ فإن المحب يفدي حبيبه بنفسه، ولا يرضى مفارقته ولو هلك معه، وإلا فقد رضي بمفارقته يومًا من الأيام، وذلك مناقض للمحبة، والعاقل يقطع بأن شفقة الوالد على الولد تقتضي النظر له والاجتهاد في نفعه، وإن عقل الوالد أتم من عقل الولد بحيث إن تقليد الولد له أنفع من تحقيقه هو لنفسه، وإذا كان الولد على خلاف ذلك كان أحمق.
وَمِن أعجب الأحاديث التي في هذا المقام ما روى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن رفاعة بن رافع الزُّرقي رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل: يا رسول الله! كيف ترى رقيقنا؟ أقوام مسلمون يصلون صلاتنا
ويصومون صومنا نضربهم؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُوْزَنُ ذَنْبُهُمْ وَعُقُوْبَتُكُمْ إِيَّاهُمْ؛ فَإِنْ كَانَتْ عُقُوْبَتُكُمْ أكثَرَ مِنْ ذُنُوْبِهِمْ أَخَذُوْا مِنْكُمْ".
قالَ: أرأيت سَبَّنا إياهم؟
قال: "يُوْزَنُ ذَنْبُهُمْ وَأَذَاكُمْ إِيَّاهُمْ؛ فَإِنْ كَانَ أَذَاكُمْ أكثَرَ أُعْطُوا مِنْكُمْ".
قال الرجل: ما أسمع عدواً أقرب إلى منهم.
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20].
فقال الرجل: أرأيت يا رسول الله وَلَدِي أَضْرِبُهُمْ؟
قال: "إِنَّكَ لا تُتَّهَم فِيْ وَلَدِكَ؛ فَلا تَطِيْبُ نَفْسًا تَشْبَعُ وَيَتَجَوَّعُ، وَلا تَكْتَسِيَ وَيعْرى"(1).
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الوالد لا يتهم في ولده إلا أن يكون المتهم له أحمق، أو خارجا عن طباع البشرية، أو يكون الوالد مختل العقل بهوى، أو سوء اعتقاد أو غيرهما، فيكون محلاً للتهمة، وما يوقعه الوالد الكامل بولده من عقوبة أو إهانة فإنما يريد تكميله، أو تأديبه، أو تهذيبه، أو صيانته عما يخشاه عليه من سوء العاقبة.
(1) رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(1/ 113)، وكذا ابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2675).
واعلم أن الأصل في القرابة المودة، وكذلك التزاوج، فإذا نفِدت المودة لم تنفع القرابة، فإذا اجتمعت القرابة والمودة كانت قرة عين، وإذا كانت القرابة عداوة كانت سخنة عين.
والمودة تجمع بين المتوادين في الدار الآخرة، لكن إذا كانا قريبين كانت الجمعية بينهما أخص.
وقد روى أبو عبيد القاسم بن سلام، وابن المنذر، وأبو الشَّيخ، والبيهقي -واللفظ له- عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما قال: قرابة الرحم تقطع، ومنة النعم تكفر، ولم نر مثل تقارب القلوب؛ يقول الله تعالى:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63].
وذلك موجود في الشعر: [من الطويل]
إِذا مَنَّ ذُو الْقُرْبَى عَلَيْكَ بِرَحْمَةٍ
…
فَغَشَّكَ وَاسْتَغْنَى فَلَيْسَ بِذِي رَحِمِ
وَلَكِنَّ ذا الْقُرْبَى الَّذِي إِنْ دَعَوْتَه
…
أَجابَ وَمَنْ يَرْمِي الْعَدُوَّ الَّذِي تَرْمِي (1)
(1) البيتان للنعمان بن بشير رضي الله عنه. انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1499).