الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - ومن أخلاق عَاد: تسفيه ذوي الأحلام والعقول، وتجهيل أهل العلم، وتخطئة أهل الصواب
.
ألا ترى إلى قولهم لهود عليه السلام: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف: 66].
وفي ذلك من الجرأة على الأكابر وسوء الأدب في الخطاب ما لا يخفى.
والسفاهة والسفاه -بالفتح -، والسفه -بالتحريك -: خفة الحلم، أو نقيضه، أو الجهل.
ويقال: سفه نفسه ورأيه -بالتثليث-؛ أي: حمله على السفه.
والسفيه: الذي يسيء التصرف في ماله بالتبذير لجهله، وخفة عقله.
وقال في "الصحاح": سفه فلان -بالضم - سفاهاً، وسفاهة، وسفه -بالكسر- سفَهاً، لغتان؛ أي: صار سفيهاً (1).
فإذا قالوا: سفه نفسه، وسفه رأيه لم يقولوا إلا بالكسر؛ لأن فعُل -أي: المضموم - لا يكون متعدياً.
ومن العجب أن السفيه يرى العارف العاقل سفيهاً فيرميه بما هو متصف به.
وجواب هود عليه السلام لقومه أحكم جواب حيث يقول: {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2235)، (مادة: سفه).
رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: 67 - 68].
لم يقل أنتم السفهاء، أو ليست السفاهة إلا فيكم لما في هذا الجواب من الإيحاش في الخطاب المتسبب عن الضجر، وقلة الصبر المخالف للنصيحة.
والعاقل لا ينبغي أن يقابل سفه السفيه وجهل الجاهل بمثله، بل يغضي ويحلم، كما قال الله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
هذا ما دام في مقام النصيحة والدَّعوة، فإذا كان في مقام الولاية والعدل بين المتحاكمين إليه لم يكن منه إلا تأديب الظَّالم ونصر المظلوم من غير زيادة على استيفاء الحق.
وليس من هذا قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13] في جواب قولهم: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 13] لأن هذا إجابة من الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ورد عنه ونصرة له، فاللائق أن يكون جواباً رادعاً لهم، زاجراً مفصحاً عن جهلهم بالمبالغة فيه؛ فإن الجاهل بجهله الجازم بخلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله؛ فإن هذا ربما يعذر وينتفع بما ينذر.
وبالجملة فليس بعد ظلمة الجهل ظلمة، إلا أن الجاهل بجهله في ظلمات بعضها فوق بعض بخلاف الحاس به؛ فإنه يلتمس النور،
وذاك يقتبس من الظلمة ظلمة يحسها نوراً.
ولقد لطف الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في قوله: [من الوافر]
وَمَنْزِلَةُ الْفَقِيْهِ مِنَ السَّفِيْهِ
…
كَمَنْزِلَةِ السَّفِيْهِ مِنَ الْفَقِيْه
فَهَذا زاهِد فِي عِلْمِ هَذا
…
وَهَذا مِنْهُ أَزْهَدُ مِنْهُ فِيْهِ (1)
وفي الحديث: "إِنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ مِنَ النَّاسِ أُوْلُو الْفَضْلِ"(2).
عَزْلٌ للجاهل عن إدراك حقيقة العلم ومقام أهله، وشوف العقل وكرم أهله.
[من البسيط]
قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ
…
وَيُنْكِرُ الْفَمُ طَعْمَ الْماءِ مِنْ سَقَمِ
وإنكار الفضل حرمان، والكِبر عن قول الحق خذلان، وسوء الأدب تعرض للعطب.
(1) رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن"(ص: 366).
(2)
تقدم نحوه بلفظ قريب من هذا.