الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - ومنها: بغض الناصحين، والأنفة من قول النصيحة
.
قال تعالى حكاية عن صالح عليه السلام: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)} [الأعراف: 79].
ذكر الحارث بن أسد المحاسبي في بعض كتبه: أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يقول: لا خير في قوم لا يكونون ناصحين، ولا خير في قوم لا يحبون الناصحين (1).
وروى البيهقي في "الشعب" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن من أكبر الذنب عند الله تعالى أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك؛ أنت تأمرني (2)؟
5 - ومنها: طاعة المترفين والمفسدين، وموافقتهم على ما هم عليه
.
قال الله تعالى حكاية عن صالح عليه السلام: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)} [الشعراء: 150 - 152].
وإنما أكده بقوله: {وَلَا يُصْلِحُونَ} إشارة أن فسادهم مصمت لا صلاح معه، وليس لهم خصلة صالحة.
قال في "الكشاف": استعير لامتثال الأمر، وارتسامه طاعة الآمر
(1) انظر: "رسالة المسترشدين" للمحاسبي (ص: 71).
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8246).
المطاع؛ إذ جعل الأمر مطابقًا على المجاز الحكمي، والمراد الآمر، ومنه قولهم: علي إمرة مطاعة، انتهى (1).
وفيه من المبالغة ما لا يخفى؛ فإنه يدل على أن أمرهم صار أمرًا متعارفاً فيهم بحيث لا يحيدون عن طريقه، ولا يأخذون في أمر يخالفه.
ومن هذا القبيل عصيان الأمر، ولذلك جمع بينهما في قوله تعالى:{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)} [طه: 90 - 93].
فوقع عصيان الأمر في كلام موسى عليه السلام كما وقعت طاعة الأمر في كلام أخيه عليهما السلام، وهو أبلغ من طاعة الآمر وعصيان الْمَعْصِيِّ.
وأيضا في النهي عن طاعة أمر المسرفين النهي عن التشبه بهم في أمرهم - وإن غابوا أو هلكوا - فإنه مذموم مطلقًا، سواء كان الحامل عليه رجاؤهم إياهم وخوفهم منهم، أو استحسان أمرهم وموافقتهم في رأيهم.
وقد أخبر الله عز وجل في كتابه بأن هلاك كل قرية كان من مكر أكابرهم، فقال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)} [الأنعام: 123].
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (3/ 333).
وإنما خصص الأكابر لأنه أقوى على استتباع الناس والمكر بهم، والناس يتبعونهم ما لا يتبعون غيرهم؛ إما رغبة فيما عندهم، وإما رهبة منهم.
وقال الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)} [الإسراء: 16].
أي: أمرناهم بالطاعة، فحملتهم الأنفة على المخالفة والفسق، وإنما خصهم بذلك لأنهم أسرع إلى الحماقة، وأقدر على الفجور ابتلاء من الله تعالى لهم وبهم.
ومن هنا جعل بعضهم قوله: {أَمَرنَا} منقولاً من أمرنا لهم إمارة، أو جعلناهم أمراً، واستدل له بقراءة يعقوب:"آمرنا" - بالمد -، والرواية عن أبي عمرو:"وأمَّرنا" - بالتشديد - (1).
وقال الله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)} [هود: 59].
فنص على أنهم اتبعوا أكابرهم، فهلكوا وأبعدوا كما قال:{أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)} [هود: 60].
وشتَّان بين اتباع الأخيار واتباع الأشرار.
(1) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (3/ 182)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (5/ 19).