الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِعَادٍ
(4)
بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِعَادٍ
وهم أول من تأنق في البنيان، ورفعه وأحكمه أملًا منهم.
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} [الأحقاف: 21].
وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65].
وهم أولاد عاد بن عوص بن آدم بن سام بن نوح، وهي عاد الأولى.
قال تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} [النجم: 50].
قال في "الكشاف": عاد الأولى: قوم هود، وعاد الأخرى: إرم.
وقيل: الأولى: القدماء؛ لأنهم أول الأمم هلاكاً بعد قوم نوح.
وقيل: المقدمون في الدنيا الأشراف، انتهى (1).
وروى ابن المنذر عن ابن جريج رحمه الله تعالى في قوله تعالى:
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (4/ 429).
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} [النجم: 50]؛ قال: كانت الأخرى بحضرموت (1).
وقال مجاهد رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 6، 7]؛ قال: القديمة (2).
وقال السدي رحمه الله تعالى: عاد من إرم، نسبهم إلى جدهم الأكبر (3).
وقال قتادة: كنا نتحدث أن إرم قبيلة من عاد، وكان يقال لها: ذات العماد، كانوا أهل عمود التي لم يخلق مثلها في البلاد (4).
قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طولاً في السماء. رواها ابن المنذر، وغيره (5).
قال في "القاموس": إرم كعنب؛ وسحاب، والد عاد الأولى أو الأخيرة، أو اسم بلدهم، أو أمهم، أو قبيلتهم، وإرم ذات العماد: دمشق، أو: الإسكندرية، أو: موضع بفارس، انتهى (6).
وقال صاحب "الكشاف": وقيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (7/ 665).
(2)
ورواه الطبري في "التفسير"(30/ 175)، وذكره البخاري في "صحيحه"(4/ 1887).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 505).
(4)
ورواه الطبري في "التفسير"(30/ 175)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3426).
(5)
ورواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3426).
(6)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1389)(مادة: أرم).
سام بن نوح: عاد كما يقال لبني هاشم: هاشم، ثم قيل للأولين منهم: عاد الأولى، وإرم تسمية لهم باسم جدهم، ولمن بعدهم عاد الآخرة.
قال ابن الرّقّيات: [من المنسرح]
مَجْدًا تَلِيْدًا بَناهُ أَوَّلُهُ
…
أَدْرَكَ عادًا وَقَبْلَها إِرَما
ثم قال: وروي أنه كان لعاد ابنان: شداد وشديد، فملكا وقهرا، ثم مات شديد، وخَلُص الأمر لشداد، فملك الدنيا ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة، فقال: أبني مثلها، فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلاثمئة سنة، وكان عمره سبعمئة سنة، وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة، وأساطينها من الزبرجد والياقوت، وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة، ولما تم أمرها سار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة أرسل الله تعالى عليهم صيحة من السماء فهلكوا.
قال: وعن عبد الله بن قلابة رضي الله تعالى عنه: أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها، فحمل ما قدر عليه مما تم، وبلغ خبره معاوية رضي الله تعالى عنه فاستحضره، فقص عليه، فأرسل إلى كعب رحمه الله تعالى فسأله، فقال: هي إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك، أحمر أشقر قصير، على حاجبه خال، وعلى عقبه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم التفت فأبصر ابن قلابة،
فقال: هذا والله ذلك الرجل، انتهى (1).
وكان هود عليه السلام أخا عاد في النسب، وهو هود بن عبد الله ابن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص.
وقال ابن إسحاق: هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح (2).
وروى ابن إسحاق، وإسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما: أن عاداً كانوا أصحاب أوثان يعبدونها على مثال ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، واتخذوا صنماً يقال له: صمود، وصنما يقال له: الهتار، فبعث الله إليهم هودًا عليه السلام، فكان هود من قبيلة يقال لها: الخلود، وكان من أوسطهم نسبًا، وأصبحهم وجهًا، أبيض جيداً، بادي العنق، طويل اللحية، فدعاهم إلى الله تعالى، وأمرهم أن يوحدوه، وأن يكفوا عن ظلم الناس، ولم يأمرهم بغير ذلك، ولم يَدْعُهم إلى شريعة ولا صلاة، فأبوا ذلك وكذبوه، وقالوا: من أشد منا قوة؟ وذلك قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] إلى قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ} ؛ يعني: سكاناً في الأرض {مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} ، فكيف لا تعتبرون فتؤمنون وقد علمتم ما نزل بقوم نوح من النقمة حين عصوا، {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً}؛ أي: طولًا وقوة، {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ}؛ يعني: هذه النعم {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69]؛ أي:
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (4/ 750 - 751).
(2)
انظر: "تفسير الثعلبي"(4/ 245).
كي تفلحوا.
وكانت منازلهم الأحقاف.
والأحقاف: الرمل من عمان إلى حضرموت اليمن.
وكانوا قد أفسدوا في الأرض، وقهروا أهلهَا بفضل قوتهم التي آتاهم الله، وكان من قوتهم كثرتهم وانتشارهم في الأرض، وسعة أجسامهم، وشدة بطشهم (1).
روى ابن أبي حاتم عن الرَّبيع بن خُثيم رضي الله تعالى عنه قال: كانت عاد ما بين اليمن إلى الشَّام مثل الذَّرِّ -أي: في الكثرة- مع كبر الأجسام وطولها (2).
قيل: كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعاً.
وقيل: سبعين ذراعاً.
وقيل: الطويل مئة ذراع، والقصير ستون.
وعن ابن عباس: ثمانون ذراعًا (3).
وقد يجمع بين هذه الأقوال بأن عاداً كانوا أولهم مئة ذراع، ثم تناقص طول ذراريهم حتى صاروا إلى اثني عشر.
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 485).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2792).
(3)
انظر: "تفسير البغوي"(2/ 170)، و"الدر المنثور" للسيوطي (3/ 485).
أو هذا طول عاد الآخرة، وما فوقه طول عاد الأولى.
وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من حجارة، ولو اجتمع عليه خمسمئة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها. رواه عبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد"، وابن أبي حاتم (1).
وقال عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: كان الرجل ممن كان قبلكم بين منكبيه ميل. رواه ابن مردويه (2).
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان الرجل من عاد في خلقه ثمانين باعاً، وكانت البرة فيهم ككلية البقرة، والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر؛ أي: منكم. رواه الحكيم الترمذي في "نوادره"(3).
وقال زيد بن أسلم رحمهما الله تعالى: كان في الزمن الأول يمضي أربعمئة سنة ولم يسمع فيها جنازة.
وقال ثور بن يزيد: جئت اليمن فإذا أنا برجل لم أر أطول منه قط، فعجبت؛ قالوا: تعجب من هذا؟
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2798).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 485).
(3)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(1/ 151).
قلت: والله ما رأيت أطول من ذا قط.
قالوا: والله لقد وجدنا ساقًا أو ذراعاً، فذرعناها بذراع هذا، فوجدناها ستة عشرة ذراعاً.
وقال أيضًا: قرأت كتاباً: أنا شداد بن عاد، أنا الذي رفعت العماد، أنا الذي سددت بدراً عن بطن واد، أنا الذي كنزت كنزاً في البحر على تسع أذرع لا يخرجه إلا أمة محمَّد. رواهما الزبير بن بكار في "الموفقيات"(1).
وقال هريم (2) بن حمزة رحمه الله تعالى: سأل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ربه أن يريه رجلًا من عاد، فكشف الله له عن الغطاء، فإذا رأسه بالمدينة ورجلاه بذي الحليفة أربعة أميال طوله. رواه أبو الشيخ في "العظمة"(3).
وذكر المفسرون أن الله تعالى بعث إليهم هوداً عليه السلام، فأمرهم بالتوحيد والاستغفار، والكف عن ظلم الناس، فأبوا عليه وكذبوه، وقالوا: من أشد منا قوة؟ وبنوا المصانع وأبراج الحمام، وبطشوا بطشة الجبارين، فأمسك الله المطر عنهم ثلاث سنوات، فبعثوا منهم جماعة إلى البيت الحرام يستمطرون لهم (4)، فرجعوا وقد
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 486).
(2)
في "أ" و "ت": "هرمز".
(3)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1527).
(4)
روى الترمذي (3273) واللفظ له،. والإمام أحمد في "المسند" (3/ 482) عن عن أبي وائل عن رجل من ربيعة -الحارث بن يزيد البكري- قال: قدمت المدينة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عنده وافد عاد، =
بعث الله تعالى عليهم سحابا أسود وريحا فيها كشهب النار، فلما رأوه قالوا: هذا عارض ممطرنا، فقال الله تعالى:{بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24] الآية.
وروى عبد بن حميد، وعبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد"، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن رحمه الله تعالى قال: لما جاءت الريح إلى قوم عاد قاموا، فأخذ بعضهم بيد بعض، وأخذوا يشتدون، وركزوا أقدامهم في الأرض، وقالوا لهود: من يزيل أقدامنَا من أماكنها إن كنت صادقاً؟ فأرسل الله عليهم الريح تنزع أقدامهم من الأرض كأنهم أعجاز نخل منقعر، وقال الله تعالى:{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 6، 7](1).
= فقلت: أعوذ بالله أن أكون مثل وافد عاد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما وافد عاد؟ قال: فقلت على الخبير سقطت، إن عادًا لما أقحطت بعثت قيلا، فنزل على بكر بن معاوية فسقاه الخمر وغنته الجرادتان، ثم خرج يريد جبال مهرة، فقال: اللهم إني لم آتك لمريض فأداويه ولا لأسير فأفاديه فاسق عبدك ما كنت مسقيه، واسق معه بكر بن معاوية، يشكر له الخمر التي سقاه، فرفع له سحابات فقيل له: اختر إحداهن فاختار السوداء منهن، فقيل له خذها رمادًا رمدًا لا تذر من عاد أحدًا، وذكر أنه لم يرسل عليهم من الريح إلا قدر هذه الحلقة يعني حلقة الخاتم ثم قرأ {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 41، 42].
(1)
ورواه الطبري في "التفسير"(27/ 99)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2798).
وهي الأيام النحسات، وأيام الأعجاز، وأيام العجوز لأنها جاءت في عجز الشتاء، أو لأن عجوزاً من عاد اختبأت من الريح في سرب لها، فاقتلعتها الريح ودقَّت عنقها (1).
روى ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7]، قال: كان أولها الجمعة (2)؛ أي: وآخرها ليلة الجمعة الثانية.
فإن قلت: كيف يجمع بين هذا وبين ما ذكر في قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر: 19] أنه يوم الأربعاء؟
قلت: قد يجمع بينهما بأن الريح نشأت يوم الجمعة، ثم استمرت تعذبهم وتثرثرهم حتى هلكوا في يوم الأربعاء، ثم تكامل هلاكهم إلى صبيحة الجمعة الثانية.
وجاء أن تلك الأربعاء كانت آخر أربعاء في الشهر؛ فقد روى وكيع في "الغرر"، والخطيب في "تاريخه" بسند ضعيف، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آخِرُ أَرْبِعَاءٍ في الشَّهْرِ يَوْمُ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ"(3).
وكثيرًا ما يحتج به كثير من الحمقى في التطير بآخر أربعاء من الشهر حتى لا يتحركون فيه بحركة، ومنهم من لا يخرج فيه من بيته،
(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(10/ 26).
(2)
رواها ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3369).
(3)
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(14/ 405).
ويرده الحديث الصحيح: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ"(1)، والحديث الصحيح:"لا طيَرَةَ"(2).
والتحقيق أنه يوم نحس مستمر على أعداء الله تعالى، والمصرين على معاصيه دون أولياء الله تعالى وأهل تقواه؛ فإنه يوم سعد مستمر عليهم بدليل أن الله تعالى كما أهلك فيه قوم هود أنجاه هو والذين آمنوا معه فيه، فظفروا فيه بهلاك عدوهم، ونجاتهم في أنفسهم.
ومنهم من يتطير بيوم الأربعاء مطلقا، وكأنه يحتج بحديث جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَوْمُ الأَرْبِعَاءِ يَوْمُ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ". رواه ابن المنذر (3).
وهذا الحديث إن صح فإنما هو في حق من ذكر من أهل المعاصي، أو في حق من تطير.
واللائق بالمؤمن أن لا يتطير من شيء أصلاً، بل إذا تطير يمضي ويعلم أن الطيرة على من تطير (4).
(1) رواه أبو داود (3910)، والترمذي (1614) وصححه، وابن ماجه (3538) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (5422)، ومسلم (2223) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
ورواه أبو عوانة في "المسند"(6022)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (797). قال ابن حجر: فيه إبراهيم بن أبي حية ضعيف جداً.
(4)
قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"(2/ 194): {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} كان اليوم نحسًا عليهم لإرسال العذاب عليهم، أي لا يقلع عنهم كما تقلع مصائب الدنيا عن أهلها، بل هذا النحس دائم على هؤلاء المكذبين=
وروى ابن مردويه عن أنس رضي الله تعالى عنه: أنه سئل عن يوم الأربعاء فقال: يوم نحس مستمر.
قالوا: كيف ذاك يا رسول الله؟
قال: "غَرِقَ فِيْهِ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَأَهْلَكَ عادًا وَثَمُوداً"(1).
وإذا كان كذلك فينبغي أن يتيمَّن به أهل الإيمان ولا يتشاءموا، بل إن جاز التشاؤم والتطير بالأربعاء بهلاك عاد فيه فليجز التطير بسائر أيام الجمعة لما علمت بنص القرآن العظيم أنهم هلكوا في مجموع الأسبوع سبع ليال وثمانية أيام حسوم.
= للرسل، و (مستمر) صفة للنحس لا لليوم، ومن ظن أنه صفة لليوم، وأنه كان يوم أربعاء آخر الشهر، وأن هذا اليوم نحس أبدًا فقد غلط وأخطأ فهم القرآن، فإن اليوم المذكور بحسب ما يقع فيه، وكم لله من نعمة على أوليائه في هذا اليوم، وإن كان له فيه بلايا ونقم على أعدائه، كما يقع ذلك في غيره من الأيام، مسعود الأيام ونحوسها إنما هو بسعود الأعمال وموافقتها لمرضاة الرب، ونحوس الأعمال مخالفتها لما جاءت به الرسل، واليوم الواحد يكون يوم سعد لطائفة ونحس لطائفته، كما كان يوم بدر يوم سعد للمؤمنين ويوم نحس على الكافرين، فما للكوكب والطالع والقرانات، وهذا السعد والنحس، وكيف يستنبط علم أحكام النجوم من ذلك، ولو كان المؤثر في هذا النحس هو نفس الكوكب والطالع لكان نحساً على العالم، فأما أن يقتضي الكوكب كونه نحساً لطائفة سعداً لطائفة فهذا هو المحال.
(1)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (7/ 677). وقال في "اللآلئ المصنوعة"(1/ 442): فيه أبو الأخيل متهم.
ومعنى الحسوم: المتابعة كما صح تفسيرها عن ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما (1).
وكذلك الآيات التي ترادفت على فرعون وقومه من الطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع إلى آخرها كانت تستمر عليهم أسبوعاً أسبوعاً.
فإذا بطل التطير بأيام الأسبوع لما ذكر، فليبطل التطير بيوم الأربعاء.
وروى ابن المنذر عن ابن جريج رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7]؛ قال: كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله، فلما أمسوا اليوم الثامن ماتوا، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر، فذلك قوله:{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8]، وقوله:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25](2).
ويؤخذ من هذا مع ما مر عن الربيع بن أنس: أن العذاب بدأهم يوم الجمعة، وأهلكهم واستأصلهم يوم الجمعة الثانية، ولذلك كان يومًا مباركاً، ولقد بقيت آثار عذابهم ظاهرة في نظير هذه الأيام من كل عام، فنرى فيها من شدة البرد ويبس الريح كل سنة ما هو عبرة لذوي
(1) رواهما الطبري في "التفسير"(29/ 50).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 226).
الاعتبار، وتبصرة لأولي الاستبصار مع سلامة هذه الأمة من سوئها.
وكانت الريح التي أرسلت عليهم الدبور، وهي الغربية التي تضرب في دبر الكعبة، ومن عادتها أن تكون رحمة فانقلبت عليهم عذاباً مسخرة لهود كما سخرت القبول، ويقال لها: الصبا، وهي التي تضرب في قبل الكعبة لمحمَّد صلى الله عليه وسلم، فكانت دافعة للأحزاب عنه ليلة الأحزاب، ولم تستمر، ولم تهلكهم لأنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وبقوا حتى خرج من أصلابهم أهل التوحيد.
روى الإِمام أحمد، والشيخان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ"(1).
وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرِّيْحُ مَسْجُوْنةٌ فِيْ الأَرْضِ الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُهْلِكَ عَادًا أَمَرَ خَازِنَ الرِّيْحِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهِمْ ريحًا تُهْلِكُ عَادًا، قَالَ: يَا رَبِّ! أَرْسِلْ مِنَ الرِّيْحِ قَدْرَ مِنْخرِ الثَّوْرِ، قَالَ لَهُ الْجَبَّارُ عز وجل؛ تِلْكَ إِذًا تَكْفِي الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ أَرْسِلُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ الْخَاتَمِ"(2).
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(1/ 228)، والبخاري (988)، ومسلم (900).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3313)، وكذا الحاكم في "المستدرك" (8756). قال ابن كثير في "التفسير" (3/ 438): هذا حديث غريب، ورفعه منكر، والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه.
وروى ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لم ينزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم نوح؛ فإنه أذن للماء دون الخزان، فطغى الماء على الخزان فخرج، فذلك قوله تعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة: 11]، أي: غلب.
ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد؛ فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت، فذلك قوله تعالى:{بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6]؛ عتت على الخزان (1).
وروي نحوه عن ابن عباس مرفوعًا (2).
وروى أبو الشيخ في "العظمة" عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ".
وهذه القطعة في "الصحيحين" كما سبق.
زاد قال: ما أمر الخزان أن يرسلوا على عاد إلا مثل موضع الخاتم من الريح، فعتت على الخزان، فخرجت من نواحي الأبواب، فذلك قول الله تعالى:{بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6]؛ قال: عتوها: عتت على الخزان، فبدأت بأهل البادية منهم فحملتهم بمواشيهم وبيوتهم، فأقبلت بهم إلى الحاضرة، قالوا: هذا عارض ممطرنا، فلما
(1) رواه الطبري في "التفسير"(29/ 50).
(2)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(4/ 1253)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(62/ 261).