الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدينوري عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: لما أرسل الله تعالى الريح على عاد اعتزل هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين به جلودهم وتلتذه الأنفس، وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض، وتدمغه بالحجارة (1).
وكذلك نجَّا قوم يونس بالإيمان والتوبة عند رؤية الآية التي أنذرهم بها عليه السلام كما قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98].
فإن أصر وتمادى في الضلال والعتو والعناد فقد هلك مع الهالكين، كما هلك قوم نوح وقوم هود في قرون آخرين.
*
تَتِمَّةٌ:
من لطائف الآثار ما رواه الخِلَعِي في "فوائده" عن الهيثم بن عدي قال: أتي الحجاج بن يوسف برجل من الخوارج، فدخل عليه والحجاج يتغدى، فجعل الخارجي ينظر إلى حيطانه وما قد نجد، فجعل يقول: اللهم اهدم، اللهم اهدم، اللهم اهدم.
فقال له الحجاج: هيه! كأنك لا تدري ما يراد بك؟
فقال للحجاج: هيه! نزع الله ماضغيك، وما عليك لو دعوتني إلى طعامك؟ أما إن فيك ثلاث خصال مما نعت الله به عاداً؛ فقال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 484).
بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشراء: 128 - 130].
فامتلأ الحجاج غيظاً، فأمر بقتله، فأخرجه الحرس إلى الرحبة ليقتلوه، فقال: دعوني أتمثل بثلاثة أبيات.
فقالوا: تمثل بما شئت.
فأنشأ يقول: [من المنسرح]
ما رَغْبَةُ النَّفْسِ فِي الْحَياةِ وَإِنْ
…
عاشَتْ طَوِيلاً وَالْمَوْتُ لاحِقُها
أَوْ أَيْقَنَتْ أَنَّها لا تَعُوْدُ كَما
…
كانَ بَراها بِالأَمْسِ خالِقُها
إِنْ لا تَمُتْ غِبْطَةً تَمُتْ هَرَماً
…
لِلْمَوْتِ كَأْسٌ فَالْمَرْءُ ذائِقُها
ثم مد عنقه فضربت، فانصرف قاتلوه إلى الحجاج فأخبروه بقوله، فقال: لله دره ما كان أصرمَه في حياته، وعند وفاته.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "العقوبات" عن يحيى بن يعلى رحمه الله تعالى قال: قال هود عليه السلام لقومه لما عبدوا الأصنام وعملوا بالمعاصي: يا قوم! إني بعثة الله إليكم، وزعيمه فيكم، فاتقوه بطاعته، وأطيعوه بتقواه؛ فإن المطيع لله يأخذ من نفسه لنفسه بطاعة الله رضا اللهِ، وإن العاصي له يأخذ من نفسه لنفسه بمعصية الله سَخَطَ اللهِ، وإنكم من أهل الأرض، والأرض تحتاج إلى السماء، والسماء تستغني عن الأرض، فأطيعوا الله تستطيبوا حياتكم وتأمنوا ما بعدها، وإن الأرض العريضة تضيق عن البعوضة بسخط الله.
وفي المعنى قلت: [من المديد]
إِيَّاكَ عِصْيانَ مَنْ تَعالَى
…
تَكُنْ بِعِصْيانِهِ بَغِيْضَه
فَالأَرْضُ مَعْ أَنَّها عَرِيْضَةٌ
…
تَضِيْقُ بِالسُّخْطِ عَنْ بَعُوْضَه
وقال المعافى بن زكريا في "الأنيس والجليس": حدثنا محمد ابن القاسم الأنباري، حدثني أبي قال: سمعت أحمد بن عبيد، عن المدائني قال عبد الملك بن عمير: عن رجل من أهل اليمن قال: أقبل سيل باليمن في ولاية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فأبرز لنا عن باب البلق وهو الرخام، فظنناه كنزاً، فكتبنا إلى أبي بكر نعلمه، فكتب إلينا: لا تحركوه حتى يقدم عليكم أمناء من قبلي، قال: فلما قدم أمناؤه فتحناه، فإذا نحن برجل على سرير طوله سبعة عشر ذراعاً، وعليه سبعون حلة منسوجة بالذهب، وفي يده اليمنى لوح، وفي يده اليسرى محجن، وفي اللوح مكتوب ما هذه ترجمته:[من الوافر]
إِذا خانَ الأَمِيْنُ وَكاتِباهُ
…
وَقاضِي الأَرْضِ داهَنَ فِي الْقَضاءِ
فَوَيْلٌ ثُمَّ ويلٌ ثُمَ ويلٌ
…
لِقاضِي الأَرْضِ مِنْ قاضِي السَّماءِ
قال: وإذا عند رأسه سيف أشد خضرة من البقل، وعلى السيف مكتوب: هذا سيف هود بن عاد بن إرم (1).
وروى أبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان
(1) رواه المعافى بن زكريا في "الجليس الصالح والأنيس الناصح"(ص: 465).
عمر هود عليه السلام أربعمئة سنة واثنتين وسبعين سنة (1).
وروى ابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: ذكر الأنبياء عليهم السلام عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ذكر هود عليه السلام قال:"ذَاكَ خَلِيْلُ اللهِ"(2).
وفيه دليل على أن الخلة لم تختص بإبراهيم عليه السلام -وإن كانت فيه أظهر-.
أو كانت خلته بمظهر الرحمة، ومن هنا سمي خليل الرحمن.
وثبت في "الصحيح": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه: "وَإنَّ صَاحِبَكُم خَلِيْلُ اللهِ"(3).
وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بوادي عُسفان فقال: "لَقَدْ مَرَّ بِهِ هُوْدٌ وَصَالِحٌ عَلَىْ بَكَرَاتٍ حُمْرٍ، خُطُمُهُنَّ اللِّيْفُ، أُزُرُهُمُ الْعَبَاءُ، وَأَرْدِيَتُهُمُ النِّمَارُ، يُلَبُّونَ وَيَحُجُّوْنَ الْبَيْتَ الْعَتِيْقَ"(4).
وروى ابن عساكر عن ابن سابط قال: بين المقام والركن وزمزم
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 488).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 487)، وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف"(31780).
(3)
رواه مسلم (2383) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 232). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 220): رواه أحمد، وفيه زمعة بن صالح، وفيه كلام وقد وثق.
قبر تسعة وسبعين نبيًّا، وإن قبر نوح، وهود، وشعيب، وصالح، وإسماعيل عليهم السلام في تلك البقعة (1).
وروى البخاري في "تاريخه"، وابن جرير، وابن عساكر عن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قبر هود عليه السلام بحضرموت في كثيب أحمر، عند رأسه سدرة (2).
وروى ابن سعد، وابن عساكر عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال: ما يعلم قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة: قبر إسماعيل عليه السلام؛ فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت.
وقبر هود عليه السلام؛ فإنه في حقف تحت جبل من جبال اليمن عليه شجرة، وموضعه أشد الأرض حراً (3).
وروى ابن عساكر عن عثمان بن أبي العاتكة قال: قبلة مسجد دمشق قبرُ هود عليه السلام (4).
وروى الزبير بن بكار في "الموفقيات" عن عبد الله بن عمرو بن
(1) روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(62/ 288) الشطر الثاني منه، وانظر:"الدر المنثور"(3/ 487).
(2)
رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 135)، والطبري في "التفسير"(8/ 217)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(36/ 139).
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 52)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (3/ 487).
(4)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 488).
العاص رضي الله تعالى عنهما قال: عجائب الدنيا أربعة: مرآة كانت معلقة بمنارة الإسكندرية، وكان يجلس الجالس تحتها فيبصر من القسطنطينية، وبينهما عرض البحر.
وفرس كانت من نحاس بأرض الأندلس قائلاً بكفه كذا، باسطاً يده؛ أي: ليس خلفي مسلك، فلا يطأ تلك البلاد واحد إلا أكلته النمل.
ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عادة فإذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء فشرب الناس، وسقوا وصبوا في الحياض، فإذا انقطعت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء.
وشجرة من نحاس عليها سودانية من نحاس بأرض رومية؛ إذا كان أوان الزيتون صفرت السودانية التي من نحاس، فتجيء كل سودانية من الطيارات بثلاث زيتونات؛ زيتونتين برجليها، وزيتونة بمنقارها، حتى تلقيه على تلك السودانية النحاس، فيعصر أهل رومية ما يكفيهم لإدامهم وسرجهم شتويتَهم إلى قابل (1).
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 488).