الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال له نوح عليه السلام: قد جعلت لك توبة.
قال: وما هي؟
قال: تسجد لقبر آدم.
قال: أنا لم أسجد له حياً، فكيف أسجد له ميتاً؟ (1)
وروى ابن المنذر في "تفسيره" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: إن نوحاً لما ركب السفينة أتاه إبليس، فقال له نوح عليه السلام: من أنت؟
قال: أنا إبليس.
قال: فما جاء بك؟
قال: جئت لتسأل لي ربي هل لي من توبة؟
فأوحى الله تعالى إليه أن توبته أن يأتي قبر آدم عليه السلام، فيسجد له.
قال: أنا لم أسجد له حياً، أسجد له ميتاً؟
قال: فاستكبر، وكان من الكافرين (2).
186 - ومنها: القعود على طريق المخلصين ليمنعهم من الإخلاص
.
وبه فسر قوله تعالى: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16]
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "مكائد الشيطان"(ص: 66)، وكذا الثعلبي في "التفسير"(1/ 181).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (1/ 125).
وعباد الله متى صدقوا في الإخلاص، ورسخوا في مقامه تسوَّروا منه بسُوره المشار إليه بقوله تعالى:{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40]، وقُرِئَ بكسر اللام وفتحها (1)، فمن استخلصه الله تعالى من يدي عدوه الشيطان بإقراره في مقام الإخلاص فقد نجا من الشيطان.
واعلم أنه لا يهتم بإضلال أحد ما يهتم بإضلال من توجَّه إلى جهة الإخلاص.
قال الإمام أبو طالب المكي في "قوت القلوب": وقد حدثونا في الإسرائيليات: أن عابداً كان يعبد الله تبارك وتعالى دهراً طويلاً، فجاءه قوم فقالوا: إنَّ هاهنا قوما يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك، فأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال: أين تريد رحمك الله تعالى؟
قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى.
قال: وما أنت وذاك؟ تركت عبادتك والاشتغال بنفسك، وتفرغت لغير ذلك؟
فقال: إنَّ هذا من عبادتي.
قال: فإني لا أتركك تقطعها.
قال: فقاتله، فأخذه العابد فطرحه إلى الأرض، وقعد إلى صدره.
(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(5/ 341).
فقال له إبليس: أفلتني حتى أكلمك.
فقام عنه، فقال له إبليس: يا هذا! إن الله تبارك وتعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك، أنبيٌّ أنت؟
قال: لا.
قال: فلا عليك بمن كان يعبدها، فلو اشتغلت بعبادتك وتركتها، فإن لله عز وجل في أرضه أنبياء لو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها.
قال العابد: لا بد لي من قطعها.
قال: فنابذه إبليس القتال، فغلبه العابد، فأخذه وصرعه، وقعد على صدره.
فلمَّا رأى إبليس أنه لا طاقة له به ولا سلطان له عليه قال: يا هذا! هل لك في أمر هو خير لك وأنفع من هذا الأمر التي جئت بطلبه؟
قال: وما هو؟
قال: أنت رجل فقير لا شيء لك، إنما أنت كَلٌّ على الناس.
قال: نعم.
قال: فارجع عن هذا الأمر ولك والله عليَّ أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارين، إذا أصبحت أخذتهما وصنعت بهما ما شئت، وأنفقت على نفسك وعيالك، وتصدقت على إخوانك، فيكون ذلك أفضل وأنفع للمسلمين من قطع الشجرة التي يغرس مكانها، ولا يضرهم قطعها شيئاً، ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطْعك لها.