الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى - في قوله تعالى: {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15]؛ قال: السماع (1).
وهذا الفصل الذي ذكرته هنا في سماع أهل الجنة فصل عزيز لطيف، وقد علمت أنه يكون ثواباً لأهلها وجزاء لتنزيه أسماعهم عن مزامير الشيطان واتباع الهوى في السماعات الدنيوية اللهوية، وكذلك سائر نعيم الجنة إنما هو جزاء عن نهي النفس عن الهوى، ومنعها منه في لباس وطعام وشراب، وغير ذلك.
ألا ترى إلى قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة: 24].
وقوله تعالى: {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 35 - 41]؟
135 - ومن أخلاق الشيطان: كراهية الديك والتحرُّج عن سماع صوته، ولاسيما الأبيض
.
والسبب في ذلك أن الديك يوقظ للصلاة ويدعو إليها في أوقاتها كالمؤذن، ويذكر الله تعالى، وكان مذكراً لآدم عليه السلام وأنيساً له، وصديقًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو على سورة بعض الملائكة، ولا يصيح
(1) رواه هناد بن السري في "الزهد"(1/ 50).
حتى يرى ملكاً، وصوته من أحب الأصوات إلى الله تعالى.
وذلك كله قاصم لظهر الشيطان، مُرغِم لأنفه، ولذلك كان عدواً للشيطان الرجيم.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه بإسناد جيد، عن زيد ابن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَسُبُّوْا الدِّيْكَ؛ فَإِنَّهُ يُوْقِظُ لِلصَّلاةِ"(1).
وروى أبو الشيخ في كتاب "العظمة" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن ديكاً صرّح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبَّه رجل ولعنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تَلْعَنْهُ وَلا تَسُبَّهُ؛ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلاةِ"(2).
وروى البيهقي في "الشعب" عن ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدِّيْكُ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاةِ، مَنِ اتَّخَذَ دِيْكاً أَبْيَضَ حُفِظَ مِنْ ثَلاثةٍ؛ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَانٍ، وَسَاحِرٍ، وَكَاهِنٍ"(3).
وروى أبو نعيم في "فضل الديك (4) " عن عائشة رضي الله تعالى
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 192)، وأبو داود (5101).
(2)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1760). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 77): رواه البزار، وفيه عباد بن منصور، وثقه يحيى القطان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5177).
(4)
في "الدر المنثور": "فضل الذكر" بدل "فضل الديك". لكن لأبي نعيم جزء في أخبار الديك.
عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَوْتُ الدِّيْكِ صَلاتُهُ، وَضَرْبُهُ [بجناحيه] رُكُوْعُهُ وَسُجُوْدُهُ"، ثم تلا:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44](1).
وروى الثعلبي في "تفسيره" عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدِّيْكُ إِذَا صَاحَ قَالَ: اذْكُرُوْا اللهَ يَا غَافِلِيْنَ"(2).
وذكر في "العرائس" عن وهب - رحمه الله تعالى - أن آدم عليه السلام قال: يا رب! شغلت بطلب الرزق والمعيشة عن التسبيح والعبادة، ولست أعرف ساعات التسبيح من أيام الدنيا.
فأهبط الله تعالى له ديكاً، وأسمعه أصوات الملائكة بالتسبيح، وكان الديك إذا سمع أصوات الملائكة بالتسبيح في السماء سبَّح في الأرض، فيسبح آدم إذا سمع صوت الديك، فكان آدم عليه السلام أول من اتخذ الديك لأوقات العبادة.
وروى أبو القاسم البغوي عن خالد بن معدان - مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدِّيْكُ الأَبْيَضُ صَدِيْقِي وَعَدُوُّ عَدُوِّ اللهِ؛ يَحْرُسُ
(1) كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 289) إلى أبي نعيم، ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(3775).
(2)
رواه الثعلبي في "تفسيره"(7/ 195)، وكذا الديلمي في "مسند الفردوس" (3129) وقال: عن الحسن، وربما هو ابن علي رضي الله عنهما.
دَارَ صَاحِبهِ وَسَبع آدُرٍ" (1)، وله شواهد.
واعترض ابن حجر على ابن الجوزي في عده في الموضوعات؛ قال: ولم يتبين لي الحكم على هذا المتن بالوضع (2).
وروى الطبراني، وأبو الشيخ، وغيرهما عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ للهِ دِيْكًا أَبْيَضَ جَنَاحَاهُ مُوشَّيَانِ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوْتِ وَاللُّؤْلُؤِ، جَنَاحٌ لَهُ بِالْمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ لَهُ بِالْمَغْرِبِ، وَرَأْسُهُ مَثْنِيٌّ تَحْتَ الْعَرْشِ وَقَوَائِمُهُ فِيْ الْهَوَاءِ - وفي رواية: فِي الأَرْضِ السُّفْلَى - يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ سَحَرٍ، فَإِذَا كَانَ فِي السَّحَرِ الأَعْلَى خَفَقَ بِجَنَاحَيهِ، ثُمَّ قالَ: سُبُّوْحٌ قُدُّوْسٌ رَبُّنَا لا غَيْرُهُ، فَيسْمَعُ تِلْكَ الصَيْحَةَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَأْهْلُ الأَرْضِ إِلَاّ الثَّقَلينِ الْجِنُّ وَالإِنْسُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُجِيمهُ ديوْكُ أَهْلِ الأَرْضِ، فَإِذَا كانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قالَ اللهُ تَعَالَى: ضُمَّ جَنَاحَكَ، وَغُضَّ صَوْتَكَ، فَيَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ اقْتَرَبَتْ"(3).
وروى الأئمة الستة إلا ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى
(1) ورواه ابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 59) عن أثوب بن عتبة رضي الله عنه.
(2)
انظر: "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" للكناني (2/ 250)، و"المقاصد الحسنة" للسخاوي (1/ 353) وقال: لكن في أكثر ألفاظه ركة لا رونق لها.
(3)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(3/ 1008)، وكذا أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 288).