الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال مجاهد في تفسيرها: خرقوا الجبال فجعلوها بيوتاً. رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (1).
وروى هؤلاء عن ابن عباس نحوه (2).
وروى الترمذي، والحاكم وصححاه، والطبراني بإسناد صحيح، عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟
قال: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ".
قال: فأي الناس شر؟
قال: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ"(3).
وقلت: [من الطويل]
أَلا إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ طالَ عُمُرُه
…
وَقَدْ ساءَ مِنْهُ قَوْلُهُ وَفِعالُهُ
فَبُعْداً لَهُ ما كانَ أَقْبَحَ حالَهُ
…
وَأَقْبَحُ مِنْ دُنْياهُ حالًا ماَلُهُ
12 - ومنها: الأشر والبطر، والفرح بالدنيا، والبخل بها، والتأنق في تحصيلها وتحصينها، والشره، والإعجاب بالنفس، وبما لهَا أو
(1) رواه الطبري في "التفسير"(30/ 178)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3426)، وعبد الرزاق في "التفسير"(30/ 370).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(30/ 178)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3426).
(3)
رواه الترمذي (2330) وصححه، والحاكم في "المستدرك"(1256).
مِنها، والأمن من مكر الله تعالى، وكفران نعمه.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)} [الحجر: 80 - 84]؛ أي:
من الأموال والأملاك.
وقوله: {آمِنِينَ} ؛ أي: من عذاب الله وقضائه؛ يحسبون أن بيوتهم تمنعهم منه أو من مكره، أو من اللصوص والأعداء.
وقال الله تعالى حكاية عن صالح عليه السلام يقول لقومه: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا} [الشعراء: 146]؛ أي: في الحجر، أو في الدنيا {آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)} [الشعراء: 146 - 149].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي: أَشِرين بَطِرين. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم (1).
وقيل: فرحين.
وقال مجاهد رحمه الله تعالى: شرهين. رواه عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (2).
(1) رواه الطبري في "التفسير"(19/ 101)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2803).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2803).
والشره - بالتحريك - كما في "الصحاح": غلبة الحرص.
ويقال منه: شره، وشرهان، كما في "القاموس"(1).
وقال قتادة رحمه الله تعالى في الآية: معجبين بصنعكم. رواه عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (2).
وفي القراءة الأخرى: {فَارِهِينَ} ، وهو في "تفسير ابن عباس"، وغيره بمعنى: حاذقين (3).
وقال عبد الله بن شداد رحمه الله تعالى: يتخيرون.
وقال الضَّحَّاك رحمه الله تعالى: حاذقين: كيسين. رواهما عبد ابن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم (4).
والكياسة والحذق بمعنى ذكاء القلب والظرافة، وبها يحصل تخير الشيء.
وذلك أنهم كانوا يختارون في نحت البيوت ما هو الأوفق لنفوسهم من الهيئة، والصورة، والسعة والضيق.
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1610)(مادة: شره).
(2)
رواه عبد الرزاق في "التفسير"(3/ 75)، والطبري في "التفسير"(19/ 101)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2803).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(19/ 100)، و"حجة القراءات" لابن زنجلة (ص: 519).
(4)
رواهما الطبري في "التفسير"(19/ 101)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2802).
وحاصله أن حذقهم كان في دنياهم وما لا يجدي، وهذا حال أكثر الناس كما قال الله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)} [الروم: 6 - 8].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7]: يعني: معايشهم؛ متى يغرسون، ومتى يزرعون، ومتى يحصدون.
وفي رواية: يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم (1).
وقال الحسن رحمه الله تعالى: ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن يصلي. رواه ابن المنذر، وابن أبي حاتم.
وكل ذلك من ثمرات البطر.
قال أبو إسحاق الزجاج: والبطر: الطغيان بالنعمة (2).
وهذا يرجع إلى كفران النعمة، أو هو أعظم أنواع الكفران،
(1) رواه الطبري في "التفسير"(21/ 23)، وكذا أبو حاتم في "الزهد" (ص: 83).
(2)
انظر: "معاني القرآن" للنحاس (5/ 190).