الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شريعة الجاهلية، وحكم الجاهلية، ويجعل هواه هو- أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من أجيال البشر- فوق حكم الله، وفوق شريعة الله؟
ما الذي يستطيع أن يقوله .. وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين؟! الظروف؟
الملابسات؟ عدم رغبة الناس؟ الخوف من الأعداء؟ ألم يكن هذا كله في علم الله؛ وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته، وأن يسيروا على منهجه، وألا يفتنوا عن بعض ما أنزله؟ قصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة، والأوضاع المتجددة، والأحوال المتقلبة؟ ألم يكن ذلك في علم الله؛ وهو يشدّد هذا التشديد، ويحذّر هذا التحذير؟ يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء .. ولكن المسلم .. أو من يدّعون الإسلام .. ما الذى يقولونه من هذا كله، ثم يبقون على شئ من الإسلام؟ أو يبقى لهم شئ من الاسلام؟
إنه مفرق الطريق، الذي لا معدى عنده من الاختيار؛ ولا فائدة في المماحكة عنده ولا الجدال .. إما إسلام وإما جاهلية. إما إيمان وإما كفر. إما حكم الله وإما حكم الجاهلية ..
والذين لا يحكمون بما أنزل الله هم الكافرون الظالمون الفاسقون. والذين لا يقبلون حكم الله من المحكومين ما هم بمؤمنين ..
إن هذه القضية يجب أن تكون واضحة وحاسمة في ضمير المسلم، وألا يتردد في تطبيقها على واقع الناس في زمانه؛ والتسليم بمقتضى هذه الحقيقة ونتيجة هذا التطبيق على الأعداء والأصدقاء!
وما لم يحسم ضمير المسلم في هذه القضية، فلن يستقيم له ميزان، ولن يتضح له منهج، ولن يفرق في ضميره بين الحق والباطل؛ ولن يخطو خطوة واحدة في الطريق الصحيح .. وإذا جاز أن تبقى هذه القضية غامضة، أو مائعة في نفوس الجماهير من الناس؛ فما يجوز أن تبقى غامضة ولا مائعة في نفوس من يريدون أن يكونوا «المسلمين» وأن يحققوا لأنفسهم هذا الوصف العظيم ..
فصل في التكفير:
في كتابنا الإسلام ذكرنا عشرين ناقضا من نواقض الشهادتين وقد رأينا أن ابن كثير يعتبر المؤمنين بالياسق والملتزمين بها كفارا يجب قتالهم وقتلهم حتى يتركوها ويحتكموا
إلى كتاب الله، ولا أتصور أن أحدا من علماء المسلمين الأثبات يخالفه فيما ذهب إليه.
فالإسلام جدّ وليس هزلا، والإسلام لا يقبل دخلا ولا دغلا، وصراط الله دقيق وميزان الله- عز وجل عادل ومن استفتانا في أحد نقض الشهادتين أفتيناه بالكفر، ومن استفتانا في نظام يرفض الالتزام بالإسلام ويلتزم في دساتيره وقوانينه بغيره أفتيناه بكفره بلا تردد.
بل نقول: إنّ أي حزب يرفض الإسلام، أو يريد أن يخلطه بغيره، أو يتبنى في مجموع آرائه ونظرياته ما هو كفر، فهو كافر، وأن أي حكومة تتبنى في مجموع دساتيرها وقوانينها ما يعتبر ناقضا للشهادتين فإننا نعتبرها كافرة، ومن يؤيدها، ويناصرها، فيما هي فيه فهو كذلك كافر فالأنظمة التي تشبه التتار في اعتمادها الياسق أو الياسا حكمها حكمهم.
غير أن الحكم على نظام بالكفر لا يعني الحكم على كل فرد من أفراده بالكفر، بل قد نحكم على النظام كله بالكفر ونحكم لرئيسه نفسه بالإسلام، ومن ثمّ نقول: إن الحكم على كل فرد بعينه إنما يخضع للفتوى المعتبرة البصيرة من أهلها على ضوء النصوص، وهذه أمور تحتاج إلى تفصيل: لقد خدم يوسف عليه السلام في نظام كافر له شريعة تختلف عن شريعة يوسف بدليل قوله تعالى: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ وبدليل قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ والشك كفر، وإذن فنحن نحكم على النظام الذي خدم فيه يوسف بالكفر، بينما يوسف عليه السلام رسول من الرّسل.
وهذا النجاشي حكم له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام وصلّى عليه عند ما مات صلاة الغائب، وكان على رأس نظام كافر؛ لأنه لم يكن يحكم بشريعة القرآن،
ومع ذلك فنحن نحكم عليه بأنّه مسلم. لقد عطّلت الدولة العثمانية نظام الحدود منذ منتصف القرن التاسع عشر بسبب الظروف الضاغطة فيما زعموا، واستبدلت بها غيرها، ومنذ تلك اللحظة أصبح النظام كافرا، ولكن هل نحكم على السلطان عبد الحميد نفسه بالكفر وهو الذي لا يشك في حرصه على الإسلام، وفي رغبته في إقامته، ولكنّه كان أعجز من أن يستطيع أن يفعل شيئا في زعمه وفي تقدير الكثيرين.
هل نحكم بالكفر على رجل قبل وزارة ليخدم الإسلام في ظلّ نظام كافر؟ الذي