الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخذة محلها في السياق القريب والسياق العام
…
فصل في محاولة للفهم:
عند قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال صاحب الظلال:
«ولم أجد في أقوال المفسرين ما تستريح إليه النفس في صياغة العبارة القرآنية على هذا النحو وتكرار التقوى مرة مع الإيمان والعمل الصالح، ومرة مع الإيمان، ومرة مع الإحسان .. كذلك لم أجد في تفسيري لهذا التكرار في الطبعة الأولى من هذه الظلال ما تستريح إليه نفسي الآن .. وأحسن ما قرأت- وإن كان لا يبلغ من حسي مبلغ الارتياح- هو ما قاله ابن جرير الطبرى: «الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل. والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق، والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل» . وكان الذي ذكرته في الطبعة الأولى في هذا الموضع هو: «إنه توكيد عن طريق التفصيل بعد الإجمال فقد أجمل التقوى والإيمان والعمل الصالح في الأولى. ثم جعل التقوى مرة مع الإيمان في الثانية، ومرة مع الإحسان- وهو العمل الصالح- في الثالثة .. ذلك التوكيد مقصود هنا للاتكاء على هذا المعنى. ولإبراز ذلك القانون الثابت في تقدير الأعمال بما يصاحبها من شعور باطني. فالتقوى .. تلك الحساسية المرهفة برقابة الله، والاتصال به في كل لحظة.
والإيمان بالله والتصديق بأوامره ونواهيه. والعمل الصالح الذي هو الترجمة الظاهرة للعقيدة المستكنة. والترابط بين العقيدة الباطنة والعمل المعبر عنها .. هذه هي مناط الحكم، لا الظواهر والأشكال .. وهذه القاعدة تحتاج إلى التوكيد والتكرار والبيان».
وأنا اللحظة لا أجد في هذا القول ما يريح أيضا .. ولكنه لم يفتح عليّ بشيء آخر ..
والله المستعان».
أقول: الذي أفهمه من الآية: أنه لا جناح على من طعم الحلال إذا اجتمع له التقوى، والإيمان، والعمل الصالح، وأداه ذلك إلى الارتقاء إلى حقيقة التقوى والإيمان، ثم أداه ذلك إلى الارتقاء إلى مقام التقوى والإحسان، مما يشير إلى أن التحقق بالتقوى والإحسان هو أرقى المقامات، يليه التحقق بالتقوى والإيمان، يليه الحد الأدنى
من التقوى والإيمان والعمل الصالح، فإذا كان الإنسان تقيا مؤمنا عاملا وأكل حلالا حتى ارتقى إلى حقيقة الإيمان والتقوى ثم إلى حقيقة التقوى والإحسان، فهذا لا جناح عليه فيما طعم حالا أو مآلا، أما إذا كان أكل الحلال لا يرافقه ارتقاء بل يرافقه انحدار فذلك الذي تحذّر منه الآية، فأكل الحلال يحتاج إلى شكر، وشكره الارتقاء إلى المقامات العالية من التقوى والإيمان، ثم إلى التقوى والإحسان، وعلى هذا الفهم فإن الآية تحضّ المؤمنين العاملين أن يؤدوا شكر الإطعام المباح بالارتقاء إلى المقامات العليا وتحذّر من النزول.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ معنى يبلو: يختبر وهو من الله لإظهار ما علم من العبد على ما علم، لا لعلم ما لم يعلم بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ أفاد التعبير: التقليل ليفيد أنه ليس من الفتن العظام تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ. أي: تنالونه أخذا بأيديكم يعني: صغار الصيد، وفراخه، وضعافه، وطعنا برماحكم وذلك كبار الصيد لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ
بِالْغَيْبِ
. أي: ليعلم الله خوف الخائف منه بالامتناع عن الاصطياد موجودا، كما كان يعلم قبل وجوده أنه يوجد، ليثيبه على عمله لا على علمه فيه فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ. أي: فمن صاد بعد هذا الإعلام والإنذار فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ. أي: لمخالفته أمر الله وشرعه، وقد ظهر الابتلاء هذا على أشده يوم الحديبية قال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم لم يروا مثله قط، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون والابتلاء مستمر إلى يوم القيامة
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ. أي:
المصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. أي: في حال إحرامكم أي وأنتم محرمون للحج أو للعمرة أو لهما معا وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً. أي: ذاكرا لإحرامه، أو عالما أن ما يقتله مما يحرم قتله عليه. قال النسفي: فإن قتله ناسيا لإحرامه، أو رمى صيدا وهو يظن أنه ليس بصيد فهو مخطئ، وإنما شرط التعمد في الآية مع أن محظورات الإحرام يستوي فيها العمد والخطأ، لأن مورد الآية فيمن تعمّد
…
ولأن الأصل فعل المتعمّد، والخطأ ملحق به للتغليظ. فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. أي: فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد. قال النسفي: وهو قيمة الصيد يقوّم حيث صيد، فإن بلغت قيمته ثمن هدي خيّر بين أن يهدي من النّعم ما قيمته قيمة الصيد، وبين أن يشتري بقيمته طعاما فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره، وإن شاء صام عن طعام كلّ مسكين يوما. وعند محمد والشافعي: مثله: نظيره من النّعم، فإن لم يوجد له نظير من
النعم فكما مرّ يَحْكُمُ بِهِ. أي: بمثل ما قتل ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ. أي:
حكمان عادلان من المسلمين هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ معنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالحرم إن كان هديا من النّعم، وأما في حالة القيمة فعند الشافعي كذلك أنّ التصدّق ينبغي أن يكون في الحرم، وعند الحنفية فحيث شاء الإنسان أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ التقدير فجزاء، أو كفارة من طعام مساكين أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً العدل ما عادل الشئ من غير جنسه، كالصوم والإطعام، والإشارة في ذلك إلى الطعام، يصوم عن إطعام كل مسكين يوما. ومذهب الحنفية قائم على التخيير بين الهدي والإطعام والصيام، والخيار في ذلك إلى القاتل عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد رحمه الله إلى الحكمين لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ. أي: فعليه الجزاء بأن يكفّر أو يصوم ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام، والوبال المكروه، والضّرر الذي ينال في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ. أي: عمّا كان منكم من الصيد قبل التحريم وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ. أي: ومن عاد إلى قتل الصيد بعد التحريم، أو في ذلك الإحرام فإنّ الله هو ينتقم منه وَاللَّهُ عَزِيزٌ يلزم من شاء ما شاء ذُو انْتِقامٍ ممن جاوز حدود الإسلام
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ. أي: كل مصيدات البحر، أي كل دوابه، والحنفية لا يحلون للأكل من دواب البحر إلا السمك كبيرا أو صغيرا. ومع ذلك فقد أحلوا للمحرم صيد البحر مما يؤكل ومما لا يؤكل وَطَعامُهُ قال النسفي: وما يطعم من صيده والمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر، وأحل لكم أكل المأكولات منه وهو السمك هذا مذهب الحنفية وأما غيرهم فقد فسر الآية بأن صيده ما أخذ منه حيا. وطعامه: ما لفظه ميتا مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ.
أي: منفعة لكم وقوتا أيها المخاطبون ولكل مسافر، أو أحل لكم تمتيعا لمقيمكم يأكله طريا ولمسافركم يتزوده قديدا وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً. أي: ما دمتم محرمين، وصيد البر أي ما صيد فيه: وهو ما يفرخ فيه وإن كان يعيش في الماء في بعض الأوقات كالبط فإنه بري لأنه يتولد في البر، والبحر له مرعى كما للناس متجر وَاتَّقُوا اللَّهَ أن تصطادوا في الحرم أو في الإحرام الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. أي:
تبعثون فيجزيكم على أعمالكم
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ. أي:
صيّر أو خلق الله الكعبة والبيت الحرام انتعاشا للناس في أمر دينهم، ونهوضا إلى أغراضهم في معاشهم ومعادهم، لما يتمّ من أمر حجهم وعمرتهم وأنواع منافعهم، فاقتضى ذلك أحكاما خاصة من أمثال ما مر، وكذلك وَالشَّهْرَ الْحَرامَ. أي: