الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الكتاب بالكتاب ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم من أمور دينكم ودنياكم، وعلى الاتجاه الثاني يكون المعنى: ومن أنزل القرآن الذي علّمكم الله فيه من خبر ما سبق، ونبأ ما يأتي ما لم تكونوا تعلمون ذلك لا أنتم ولا آباؤكم قُلِ اللَّهُ. أي: قل الله أنزله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ. أي: ثم دعهم في جهلهم وضلالهم وباطلهم الذي يخوضون فيه لاعبين حتى يأتيهم من الله اليقين، فسوف يعلمون ألهم العاقبة أم لعباد الله المتقين
وَهذا. أي: القرآن كِتابٌ أَنْزَلْناهُ على محمد عليه الصلاة والسلام مُبارَكٌ. أي: كثير المنافع والفوائد مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.
أي: من الكتب وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى. أي: مكة، وسميت أم القرى لأنها سرة الأرض، وقبلة أهل التقوى، وأعظمها شأنا، ولأن الناس يؤمّونها وَمَنْ حَوْلَها.
أي: من أحياء العرب، ومن سائر طوائف بني آدم، ومن عرب وعجم، والمعنى:
وهذا القرآن أنزلناه للبركات، وتصديق ما تقدّم من الكتب، ولإنذار أمّ القرى وما حولها من العالم وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. أي: يصدّقون بالعاقبة ويخافونها يُؤْمِنُونَ بِهِ. أي: بالكتاب فأصل الدّين خوف العاقبة، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن بالحق وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ خصّت الصلاة بالذّكر لأنها علم الإيمان وعماد الدين، فمن حافظ عليها يحافظ على أخواتها.
نقول:
نحب أن ننقل بمناسبة هذه الآيات ما قاله صاحب الظلال والألوسي في قوله تعالى واصفا كتابه بالبركة «مبارك» ثمّ ما قاله صاحب الظلال في قوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ونقدم النقلين الأوّلين لأنهما كالدليل بالنسبة للنقل الثالث:
قال صاحب الظلال في شرحه لكون القرآن مباركا كما وصفه الله في الآية:
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ.
«إنها سنة من سنن الله أن يرسل الرسل، وأن ينزل الله عليهم الكتب. وهذا الكتاب الجديد، الذي ينكرون تنزيله، هو كتاب مبارك .. وصدق الله .. فإنه والله مبارك .. مبارك بكل معاني البركة .. إنه مبارك في أصله. باركه الله وهو ينزله من
عنده. ومبارك في محله الذي علم الله أنه له أهل .. قلب محمد الطاهر الكريم الكبير ..
ومبارك في حجمه ومحتواه. فإن هو إلا صفحات قلائل بالنسبة لضخام الكتب التي يكتبها البشر، ولكنه يحوي من المدلولات والإيحاءات والمؤثرات والتوجيهات في كل فقرة منه ما لا تحتويه عشرات من هذه الكتب الضخام، في أضعاف حيزه وحجمه! وإن الذي مارس فن القول عند نفسه وعند غيره من بني البشر؛ وعالج قضية التعبير، بالألفاظ عن المدلولات، ليدرك أكثر مما يدرك الذين يزاولون فنّ القول ولا يعالجون قضايا التعبير، أنّ هذا النّسق القرآني مبارك من هذه الناحية. وأن هنالك استحالة في أن يعبر البشر في مثل هذا الحيّز- ولا في أضعاف أضعافه- عن كل ما يحمله التعبير القرآني من مدلولات ومفهومات وموحيات ومؤثرات! وأن الآية الواحدة تؤدي من المعاني وتقرّر من الحقائق ما يجعل الاستشهاد بها على فنون شتى من أوجه التقرير والتوجيه شيئا متفردا لا نظير له في كلام البشر .. وإنه لمبارك في أثره. وهو يخاطب الفطرة والكينونة البشرية بجملتها خطابا مباشرا عجيبا لطيف المدخل، ويواجهها من كل منفذ وكل درب وكل ركن، فيفعل ما لا يفعله قول قائل ذلك أن به من الله سلطانا. وليس في قول القائلين من سلطان!
ولا نملك أن نمضي أكثر من هذا في تصوير بركة هذا الكتاب .. وما نحن ببالغين لو مضينا شيئا أكثر من شهادة الله له بأنه «مبارك» ففيها فصل الخطاب «وقال الألوسي في تفسير كلمة «مبارك» التي وصف الله بها القرآن: وقوله سبحانه مُبارَكٌ أي:
كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة قال الإمام: جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عن هذا الكتاب المتمسك به يحصل به عز الدنيا وسعادة الآخرة».
وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا: ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ.
وهذا القول الذي كان يقوله مشركوا مكة في جاهليّتهم، يقوله أمثالهم في كل زمان؛ ومنهم الذين يقولونه الآن؛ ممن يزعمون أن الأديان من صنع البشر، وأنها تطوّرت وترقت بتطور البشر وترقيهم .. لا يفرقون في هذا بين ديانات هي من تصورات البشر أنفسهم، كالوثنيات كلها قديما وحديثا، وترتقي بالزعم وتنحطّ بارتقاء أصحابها وانحطاطهم، ولكنها تظل خارج دين الله كله. وبين ديانات جاء بها الرسل من عند الله، وهي ثابتة على أصولها الأولى؛ جاء بها
كل رسول، فتقبلتها فئة وعتت عنها فئة؛ ثمّ وقع الانحراف عنها والتحريف فيها، فعاد الناس إلى جاهليتهم في انتظار رسول جديد.
وهذا القول الذي ذكرته الآية يقوله- قديما أو حديثا- من لا يقدر الله حق قدره، ومن لا يعرف كرم الله وفضله، ورحمته وعدله .. إنهم يقولون: إن الله لا يرسل من البشر رسولا ولو شاء لأنزل ملائكة! كما كان العرب يقولون. أو يقولون: إن خالق هذا الكون الهائل لا يمكن أن يعنى بالإنسان «الضئيل» في هذه الذرة الفلكية التي اسمها الأرض بحيث يرسل له الرسل، وينزل على الرسل الكتب لهداية هذا المخلوق الصغير في هذا الكوكب الصغير! وذلك كما يقول بعض الفلاسفة في القديم والحديث. أو يقولون: إنه ليس هناك من إله ولا من وحي ولا من رسل .. إنما هي أوهام الناس أو خداع بعضهم لبعض باسم الدين. كما يقول الماديون الملحدون!
وكله جهل بقدر الله- سبحانه- فالله الكريم العظيم العادل الرحيم، العليم الحكيم .. لا يدع هذا الكائن الإنساني وحده، وهو يعلم سرّه وجهره، وطاقاته وقواه، ونقصه وحاجته إلى الموازين القسط التي يرجع إليها بتصوراته وأفكاره، واقواله وأعماله، وأوضاعه ونظامه، ليرى إن كانت صوابا وصلاحا، أو كانت خطأ وفسادا .. ويعلم- سبحانه- أن العقل الذي أعطاه له، يتعرض لضغوط كثيرة من شهواته ونزواته، ومطامعه ورغباته، فضلا عن أنّه موكّل بطاقات الأرض التي له عليها سلطان بسبب تسخيرها له من الله، وليس موكّلا بتصوّر الوجود تصورا مطلقا، ولا بصياغة الأسس الثابتة للحياة. فهذا مجال العقيدة التي تأتي له من الله، فتنشئ له تصورا سليما للوجود والحياة .. ومن ثم لا يكله إلى هذا العقل وحده، ولا يكله كذلك إلى ما أودع فطرته من معرفة بربها الحق، وشوق إليه، ولياذ به في الشدائد .. فهذه الفطرة قد تفسد كذلك بسبب ما يقع عليها من ضغوط داخلية وخارجية، وبسبب الإغواء والاستهواء الذي يقوم به شياطين الجن والإنس، بكل ما يملكون من أجهزه التوجيه والتأثير .. إنما يكل الله الناس إلى وحيه ورسله وهداه وكتبه، ليرد فطرتهم إلى استقامتها وصفائها، وليردّ عقولهم إلى صحتها وسلامتها، وليجلو عنهم غاشية من داخل أنفسهم ومن خارجها .. وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله، ورحمته وعدله، وحكمته وعلمه ..
فما كان ليخلق البشر ثم يتركهم سدى .. ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث فيهم رسولا: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا .. فتقدير الله قدره يقتضي الاعتقاد