الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ. أي: مع المرافق قال ابن كثير: ويستحب للمتوضئ أن يشرع في العضد فيغسله مع ذراعيه لما روى البخاريّ ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ أمّتي يدعون يوم القيامة غرّا محجّلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته فليفعل» . وفي صحيح مسلم «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» . وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ أوجب أحمد ومالك استيعاب الرأس بالمسح، وأوجب الشافعيّ أن يمسح أقل ما يطلق عليه اسم مسح، ولا يتقدر ذلك بحدّ، بل لو مسح بعض شعره من رأسه أجزأه، وذهب الحنفية إلى وجوب مسح ربع الرأس وهو مقدار النّاصية، واختلفوا هل يستحبّ تكرار مسح الرأس ثلاثا كما هو المشهور من مذهب الشافعي، أو مسحة واحدة كما هو مذهب أحمد، أو ثلاث ثلاثة مسحات بماء واحد كما هو مذهب الحنفية. وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. أي: واغسلوا أرجلكم مع الكعبين والقراءة بالكسر للإشعار بوجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا. أي: فاغسلوا أبدانكم كلّها حتى لا يبقى شئ لم يغسل. وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ قال الرّازي (أو) في قوله تعالى: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ بمعنى الواو والتقدير وجاء. حتى لا يلزم المريض والمسافر التيمّم بلا حدث. والغائط في الأصل المكان المطمئن وهو في الآية كناية عن قضاء الحاجة، ومعنى لا مستم النساء تقدّم الكلام عليه في سورة النّساء فلا حاجة بنا إلى إعادته. ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ. أي: في باب الطهارة ولذلك رخّص لكم في التّيمّم عند المرض، وعند فقد الماء توسعة عليكم، ورحمة بكم، وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه.
وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ. أي: بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء.
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ. أي: وليتمّ برخصه إنعامه عليكم بعزائمه.
ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. أي: تشكرون نعمته عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتّسهيل فيثيبكم لذلك على شكركم.
فوائد: [حول مسائل في الوضوء وحكمته وثوابه وحكم المسح على الخفين]
1 -
قال الفضل بن المبشر: رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد.
فإذا بال أو أحدث توضّأ ومسح بفضل طهوره الخفّين. فقلت أبا عبد الله أشيء تصنعه برأيك؟ قال: بل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه. فأنا أصنعه كما رأيت رسول الله يصنعه. رواه ابن جرير وابن ماجه. دلّ الحديث على جواز المسح على الخفين وهي من القضايا الجائزة المتواترة عنه عليه السلام، كبديل عن غسل الرجلين ضمن شروطه المعروفة في السنّة والفقه. كما دلّ على كفاية الوضوء الواحد لمجموعة صلوات، إذا لم يكن حدث. وقال ابن سيرين: إن الخلفاء كانوا يتوضئون لكلّ صلاة.
2 -
هناك قضايا خلافية بين الأئمة في بعض أمور اعتبرها بعضهم فريضة، واعتبرها بعضهم من باب السنن في الوضوء، من مثل الموالاة والترتيب والدّلك. والأمر فيه سعة. وهذا نموذج من وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففي الصحيحين أنّ رجلا قال لعبد الله ابن زيد بن عاصم. وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال: عبد الله بن زيد: نعم. فدعا بوضوء فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرّتين مرّتين ثمّ مضمض واستنشق ثلاثا. وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرّتين إلى المرفقين، ثمّ مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدّم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه. ثم ردّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه» .
3 -
هناك خلاف بين الشّيعة وأهل السنة حول كون المسح على الرجلين هو الفرض في الوضوء وليس الغسل وهم محجوجون في السنّة، وقراءة النّصب في الآية.
والسنّة متواترة في وجوب الغسل.
4 -
وفي حكمة الوضوء نروي هذا الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ومسلم «عن عمرو بن عبسة قال: قلت يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء. قال: «ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرّت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر، ثم يغسل وجهه كما أمره الله إلا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرّت خطايا يديه من أطراف أنامله، ثم يمسح رأسه إلا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره إلا خرّت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء، ثمّ يقوم فيحمد الله ويثني عليه بالذي هو أهل، ثم يركع ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» .
إنه بالوضوء يقوم الإنسان بين يدي الله متطهّرا من الأوساخ الحسية والمعنوية، وقيام
الإنسان بين يدي الله تعالى متطهرا من الأوساخ الحسية والمعنوية أقرب إلى التعظيم، فكان أكمل في الخدمة، ولهذا قيل: إنّ الأولى أن يصلي الرّجل في أحسن ثيابه وأنّ الصّلاة متعمّما أفضل من الصلاة مكشوف الرأس، كما أن ذلك أبلغ في التّعظيم.
5 -
وقد وردت السنة بالحثّ على الدّعاء والذّكر عقب الوضوء ففي الحديث الصحيح «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ- أو فيسبغ الوضوء- يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنّة الثمانية يدخل من أيها شاء» . وفي حديث آخر ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوضئ إلى أن يدعو بعد الوضوء بقوله: «اللهمّ اجعلني من التّوابين واجعلني من المتطهرين» .
6 -
في صحيح مسلم عنه عليه وآله الصلاة والسلام: «لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور» . وفي صحيح مسلم كذلك عنه عليه الصلاة والسلام. «الطّهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله، والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض، والصوم جنّة، والصبر ضياء، والصدقة برهان، والقرآن حجّة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» .
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بأن أنزل عليكم هذا الإسلام وهداكم إليه وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا. أي: واذكروا ميثاقه الذي عاقدكم به عقدا وميثاقا إذ تقولون سمعنا وأطعنا، دلّ هذا على أن قول المؤمن سمعنا وأطعنا ميثاق وعقد مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، وذهب أئمة التفسير إلى أن هذا تذكير بالبيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إسلامهم فقد كانوا يقولون: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السّمع والطّاعة، في منشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله».
والنص أعمّ. فكل مؤمن قال سمعنا وأطعنا فقد أعطى ميثاقه، وعليه أن يتذكّره وأن يفي به. وَاتَّقُوا اللَّهَ في نقض الميثاق وهو تأكيد وتحريض على مواظبة التّقوى في كلّ حال إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أي: بسرائر الصدور من الخير والشرّ، هو وعد ووعيد.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ. أي: كونوا قوّامين بالحقّ لله- عز وجل لا لأجل النّاس والسّمعة. شُهَداءَ بِالْقِسْطِ. أي:
بالعدل لا بالجور وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا. أي: ولا يحملنّكم بغض قوم على ترك العدل فيهم. اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى. أي: العدل أقرب