الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم مد رواق الأمن خارج منطقة الزمان والمكان، فجعله حقا للهدي- وهو النعم- الذي يطلق ليبلغ الكعبة في الحج والعمرة، فلا يمسه أحد في الطريق بسوء. كما جعله لما يقلّد من الهدي معلنا احتماءه بالبيت العتيق.
«وبعد فإنها ليست منطقة الأمان في الزمان والمكان وحدهما. وليس رواق الأمن الذي يشمل الحيوان والإنسان وحدهما .. وإنما هي كذلك منطقة الأمان في الضمير البشري .. ذلك المصطرع المترامي الأطراف في أغوار النفس البشرية .. هذا المصطرع الذي يثور ويغور فيطغى بشواظه وبدخانه على المكان والزمان، وعلى الإنسان والحيوان! .. إنها منطقة السلام والسماحة في ذلك المصطرع، حتى ليتحرج المحرم أن يمدّ يده إلى الطير والحيوان .. وهما- في غير هذه المنطقة- حل للإنسان. ولكنهما هنا في المثابة الآمنة في الفترة الآمنة في النفس الآمنة .. إنها منطقة المران والتدريب للنفس البشرية لتصفو وترق وترف فتتصل بالملإ الأعلى، وتتهيأ للتعامل مع الملأ الأعلى.
ألا ما أحوج البشرية المفزعة الوجلة، المتطاحنة المتصارعة .. إلى منطقة المران التي جعلها الله للناس في هذا الدين، وبينها للناس في هذا القرآن».
ولقد بيّن- جل جلاله الحكمة في جعله الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد قياما للناس بأنها ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وفي هذا المقام يقول صاحب الظلال:
فوائد
1 - [الخلاف فيما يحرم صيده وقتله على المحرم]
فيما يحرم صيده وقتله على المحرم خلاف بين العلماء، فالشافعي يرى أنّ المحرّم هو المأكول، وما تولّد منه دون غيره، ويجوز عنده للمحرم قتل كل ما لا يؤكل لحمه
ولا فرق بين صغاره وكباره، فالعلّة الجامعة كونها لا تؤكل. والجمهور على حرمة صيد ما يؤكل وما لا يؤكل ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم:
الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور». وقال مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس من الدوابّ ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» . ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله، قال أيوب: قلت لنافع: فالحية؟ قال: الحية لا شك فيها، ولا يختلف في قتلها، ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور الذئب، والسبع، والنّمر، والفهد؛ لأنها أشدّ ضررا منه. وقالوا: فإن قتل المحرم ما عداهن فداه كالضبع والثعلب والوبر (هرّ البرّ) ونحو ذلك. قال مالك: وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها، وصغار الملحق بها من السباع العوادي.
وقال أبو حنيفة: يقتل المحرم الكلب العقور والذئب لأنه كلب برّي، فإن قتل غيرهما فداه، إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله فلا فداء عليه، وهذا قول الأوزاعي، والحسن بن صالح: وقال زفر بن الهذيل: يفدي ما سوى ذلك، وإن صال عليه، وقال بعض الناس: المراد بالغراب هاهنا: الأبقع وهو الذي في بطنه وظهره بياض دون الأدرع وهو الأسود، والأعصم وهو الأبيض، لما رواه النسائي
…
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خمس يقتلهن المحرم: الحية، والفأرة، والحدأة، والغراب الأبقع، والكلب العقور» . والجمهور على أن المراد به أعمّ من ذلك لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه، وقال مالك رحمه الله: لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وآذاه. وقال مجاهد بن جبر وطائفة: لا يقتله بل يرميه، ويروى مثله عن علي. وقد روى هشيم- .. عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عما يقتل المحرم، فقال:«الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي» . ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي:
هذا حديث حسن.
وعند ما تكون المسألة فيها أخذ ورد بين الأئمة فينبغي أن يلاحظ الإنسان ألا يقرب ما أجمعوا عليه، ثم يحتاط لدينه بمطالبته نفسه بالعزيمة، ويعذر الناس إذا أخذوا بالرّخصة أي: بالقول الأخفّ من أقوال الأئمة.