الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين لنا فيه كل شئ. ولكن علمنا يقصر عما بيّن لنا في القرآن» وأخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سبحانه وتعالى لو أغفل شيئا لأغفل الذرّة والخردلة والبعوضة» وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى، وقال المرسي: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين، بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم به، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر الله تعالى به».
كلمة في السياق:
ذكرت المجموعة السادسة اقتراحا للكافرين وردّت عليه، وبعد هذا الردّ تأتي الآن مجموعات تعالج المرض، وتقيم الحجة، وتشرح بعض سنن الله، وتأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوجه الحوار، وأن يناقش، وأن يعلن، وكل ذلك يجري على نسق واحد، نسق يحقق تكامل الجولة ضمن سياقها، ويكمّل تفصيل المحور، والملاحظ أن الأمر «قل» الموجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتكرّر في هذه المجموعات، وقد مرّت معنا من قبل ست مجموعات في هذه الجولة وها قد وصلنا إلى
المجموعة السابعة
وهي مصدرة بقوله تعالى:
قُلْ.
المجموعة السابعة
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ. أي: هل علمتم أنّ الأمر كما يقال لكم فأخبروني بما عندكم إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ معناه: أخبروني إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون غير الله؟ وفي هذا تبكيت لهم أي أتخصون آلهتكم بالدعوة إذا أصابكم ضر، أم تدعون الله دونها؟ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنّ غير الله إله فادعوه ليخلصكم ولكنّهم كاذبون
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ.
أي: بل تخصّونه بالدّعاء دون الآلهة المزعومة فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ.
أي: فيكشف ما تدعونه إلى كشفه إن أراد أن يتفضّل عليكم وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ. أي: وتتركون آلهتكم أو لا تذكرون آلهتكم في ذلك الوقت لأنّ أذهانكم وقتذاك مغمورة بذكر ربكم وحده إذ هو القادر على كشف الضرّ دون غيره.
إن رجوع الإنسان إلى الله ساعة الشّدّة وإقباله عليه بالدّعاء وإفراده بذلك، لدليل أيما دليل على استكنان الإيمان بالله وتوحيده في الفطرة البشرية، ولقد علّق صاحب
الظلال على الآية الأخيرة بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
…
بقوله:
«بل تدعونه وحده؛ وتنسون شرككم كله! .. إن الهول يعرّي فطرتكم- حينئذ- فتتجه بطلب النجاة إلى الله وحده. وتنسى أنها أشركت به أحدا. بل تنسى هذا الشرك ذاته .. إن معرفتها بربها هي الحقيقة المستقرة فيها؛ فأما هذا الشرك فهو قشرة سطحية طارئة عليها، بفعل عوامل أخرى. قشرة سطحية في الركام الذي ران عليها. فإذا هزّها الهول تساقط هذا الركام، وتطايرت هذه القشرة، وتكشّفت الحقيقة الأصلية، وتحركت الفطرة حركتها الفطرية نحو بارئها، ترجوه أن يكشف عنها الهول الذي لا يد لها به، ولا حيلة لها فيه ..
هذا شأن الفطرة في مواجهة الهول، يواجه السياق القرآني به المشركين .. فأما شأن الله- سبحانه- فيقرره في ثنايا المواجهة. فهو يكشف ما يدعونه إليه- إن شاء- فمشيئته طليقة، لا يرد عليها قيد. فإذا شاء استجاب لهم فكشف عنهم ما يدعون كله أو بعضه؛ وإن شاء لم يستجب، وفق تقديره وحكمته وعلمه.
هذا هو موقف الفطرة من الشرك الذي تزاوله أحيانا، بسبب ما يطرأ عليها من الانحراف، نتيجة عوامل شتى، تغطي على نصاعة الحقيقة الكامنة فيها .. حقيقة اتجاهها إلى ربها ومعرفتها بوحدانيته .. فما هو موقفها من الإلحاد وإنكار وجود الله أصلا؟ نحن نشك شكا عميقا- كما قلنا من قبل- في أن أولئك الذين يمارسون الإلحاد في صورته هذه صادقون فيما يزعمون أنهم يعتقدونه. نحن نشك في أن هناك خلقا أنشأته يد الله، ثم يبلغ به الأمر حقيقة أن ينطمس فيه تماما طابع اليد التي أنشأته، وفي صميم كينونته هذا الطابع، مختلطا بتكوينه، متمثلا في كل خلية وفي كل ذرة. إنما هو التاريخ الطويل من العذاب البشع، ومن الصراع الوحشي مع الكنيسة، ومن الكبت والقمع، ومن إنكار الكنيسة للدوافع الفطرية للناس مع استغراقها هي في اللذائذ المنحرفة .. إلى آخر هذا التاريخ النكد الذي عاشته أوربا قرونا طويلة .. هو الذي دفع الأوربيين في هذه الموجة من الإلحاد في النهاية .. فرارا في التيه، من الغول الكريه. ذلك إلى استغلال اليهود لهذا الواقع التاريخي؛ ودفع النصارى بعيدا عن دينهم؛ ليسلس لهم قيادهم، ويسهل عليهم إشاعة الانحلال والشقاء فيهم، وليتيسر لهم استخدامهم- كالحمير- على حد تعبير «التلمود» و «برتوكولات حكماء صهيون» .. وما كان اليهود ليبلغوا من هذا كله شيئا إلا باستغلال ذلك التاريخ الأوربي النكد، لدفع الناس إلى الإلحاد هربا
من الكنيسة. ومع كل هذا الجهد الناصب، المتمثل في محاولة «الشيوعية» - وهي إحدى المنظمات اليهودية- لنشر الإلحاد، خلال أكثر من نصف قرن، بمعرفة كل أجهزة الدولة الساحقة، فإن الشعب الروسي نفسه لم يزل في أعماق فطرته الحنين إلى عقيدة في الله .. ولقد اضطر «ستالين» الوحشي- كما يصوره خلفه خروشوف! - أن يهادن الكنيسة، في أثناء الحرب العالمية الثانية، وأن يفرج عن كبير الأساقفة، لأن ضغط الحرب كان يلوي عنقه للاعتراف للعقيدة في الله بأصالتها في فطرة الناس مهما يكن رأيه ورأي القليلين من الملحدين من ذوي السلطان حوله.
ولقد حاول اليهود- بمساعدة «الحمير» الذين يستخدمونهم من الصليبيين- أن ينشروا موجة من الإلحاد في نفوس الأمم التي تعلن الإسلام عقيدة لها ودينا. ومع أن الإسلام كان قد بهت وذبل في هذه النفوس .. فإنّ الموجة التي أطلقوها عن طريق أتاتورك في تركيا .. انحسرت على الرغم من كل ما بذلوه لها- (وللبطل) - من التمجيد والمساعدة. وعلى كل ما ألّفوه من الكتب عن (البطل) والتجربة الرائدة التي قام بها .. ومن ثم استداروا في التجارب الجديدة يستفيدون من تجربة أتاتورك، ألّا يرفعوا على التجارب الرائدة راية الإلحاد. إنما يرفعون عليها راية الإسلام.، كيلا تصدم الفطرة، كما صدمتها تجربة أتاتورك. ثم يجعلون تحت هذه الراية ما يريدون من المستنقعات والقاذورات والانحلال الخلقي، ومن أجهزة التدمير للخامة البشرية بجملتها في الرقعة الإسلامية.
غير أن العبرة التي تبقى من وراء ذلك كله، هي أن الفطرة تعرف ربها جيدا، وتدين له بالوحدانية، فإذا غشّى عليها الرّكام فترة، فإنها إذا هزها الهول وتساقط عنها ذلك الركام كله وتعرّت منه جملة، عادت إلى بارئها كما خلقها أول مرة .. مؤمنة طائعة خاشعة .. أما ذلك الكيد كله فحسبه صيحة حق تزلزل قوائمه، وترد الفطرة إلى بارئها سبحانه. ولن يذهب الباطل ناجيا، وفي الأرض من يطلق هذه الصيحة. ولن يخلو وجه الأرض- مهما جهدوا- ممن يطلق هذه الصيحة».
وبعد أن أقام الله الحجة على المشركين من خلال واقعهم وإذ كان السياق في موضوع التهديد بالعذاب الرباني إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ فإن الآية التالية تبين لهم سنّة الله في معاملته للأمم حتى لا يستبطئوا عذاب الله مع تكذيبهم رسوله فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ. رسلا فكذبوهم فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ. أي: بالبؤس
والضر، ويدخل في البؤس القحط، والجوع، وفي الضر المرض، ونقصان الأنفس، والأولاد لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. أي: يتذللون، ويتخشّعون لربّهم، ويتوبون عن ذنوبهم إذ المفروض أن تتخشّع النّفوس عند نزول الشدائد
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا. أي: هلّا تضرعوا بالتّوبة عند إنزال البأساء والضّراء بهم، وهذا يفيد نفي التضرع وإنما استعملت (لولا) في هذا المقام ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فلم ينزجروا بما ابتلوا به بل زادوا عتوا بدلا من أن يتضرعوا وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فصاروا معجبين بأعمالهم على قبحها وسوئها كما نرى المنحرفين عن أمر الله- وما أكثرهم- يسمّون انحرافهم أسماء تدل على عجبهم وافتخارهم بما هم فيه من ضلال
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ من الوحي والبأساء والضراء أي: تركوا الاتعاظ به؛ ولم يزجرهم؛ فأعرضوا عنه، وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من الصّحة، والسّعة، وصنوف النعمة، ورخاء الدنيا، ويسرها من جاه ورفاه ومجد، وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم عياذا بالله من مكره حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا.
أي: من الأموال والأولاد والأرزاق والجاه وتيسير الأمور أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً. أي:
على غفلة أي فجأة فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. أي: آيسون من كل خير ومتحسرون، وأصل الإبلاس: الإطراق حزنا لما أصاب الإنسان أو ندما على ما فاته
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا. أي: أهلكوا عن آخرهم، ولم يترك منهم أحد إذ عند ما يقطع دابرهم لا يبقى منهم أحد وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هذا إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة، وأنه من أجلّ النعم وأجزل القسم، أو احمدوا الله على إهلاك من لم يحمد الله.
ومن الآيات نعرف كما قال صاحب الظلال:
إن الرخاء ابتلاء آخر كابتلاء الشدة، وهو مرتبة أشد وأعلى من مرتبة الشدة! والله يبتلي بالرخاء كما يبتلي بالشدة. يبتلي الطائعين والعصاة سواء. بهذه وبذاك سواء ..
والمؤمن يبتلى بالشدة فيصبر، ويبتلى بالرخاء فيشكر، ويكون أمره كله خيرا .. وفي الحديث:«عجبا للمؤمن إن أمره كله له خير- وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن- إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (رواه مسلم).