الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتكاليف للإنسانية كلها ليدعوها ويهديها. وهو مطالب باليقظة الدائمة لينهض بهذه التكاليف. وحتى حين يستمتع بالطيبات فإن الإسلام يحتّم عليه أن يكون يقظا لهذا المتاع، فلا يصبح عبدا لشهوة أو لذة. وإنما يسيطر دائما على رغباته فيلبيها تلبية المالك لأمره .. وغيبوبة السكر لا تتفق في شئ مع هذا الاتجاه.
ثم إن هذه الغيبوبة في حقيقتها إن هي إلا هروب من واقع الحياة في فترة من الفترات؛ وجنوح إلى التصورات التي تثيرها النشوة أو الخمار. والإسلام ينكر على الإنسان هذا الطريق ويريد من الناس أن يروا الحقائق، وأن يواجهوها، ويعيشوا فيها، ويصرفوا حياتهم وفقها، ولا يقيموا هذه الحياة على تصورات وأوهام .. إن مواجهة الحقائق هي محك العزيمة والإرادة؛ أما الهروب منها إلى تصورات وأوهام فهو طريق التحلل، ووهن العزيمة، وتذاؤب الإرادة. والإسلام يجعل في حسابه دائما تربية الإرادة، وإطلاقها من قيود العادة القاهرة .. والإدمان .. وهذا الاعتبار كاف وحده من وجهة النظر الإسلامية لتحريم الخمر وسائر المخدرات .. وهي رجس من عمل الشيطان .. مفسد لحياة الإنسان.
وقد اختلف الفقهاء في اعتبار ذات الخمر نجسة كبقية النجاسات الحسيّة، أو في اعتبار شربها هو المحرم. والأول قول الجمهور. والثاني قول ربيعة بن سعد والمزني صاحب الشافعي وبعض المتأخرين من البغداديين ..
فوائد:
1 - [آثار حول مراحل تحريم الخمر وأحكام تتعلق بها]
مرّ معنا في سورتي البقرة والنساء شئ عن موضوع السّير التدريجي في الأمة حتّى حرّمت الخمر حرمتها النهائية، ولذلك فسنكتفي هنا بنقل بعض النصوص:
أ- روى الإمام أحمد
…
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في البقرة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في النساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: حي على الصلاة نادى: لا يقربنّ الصلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت
الآية التي في المائدة. فدعي عمر فقرئت عليه، فلمّا بلغ قول الله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. قال عمر: انتهينا، انتهينا، وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنّسائي.
ب- ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إنّه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر: ما خامر العقل» هذا ما كان في زمانهم، أما اليوم فالخمرة عشرات الأنواع وتستخرج من عشرات المواد الأولية، كلها حرام.
ج- روى الإمام أحمد .. عن عبد الرحمن بن وعلة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر، فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو من دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فلان، أما علمت أن الله حرّمها؟
فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا فلان بماذا أمرته؟» . فقال: أمرته أن يبيعها قال: «إنّ الذي حرّم شربها حرّم بيعها» فأمر بها فأفرغت في البطحاء .. ورواه مسلم والنسائي.
د- روى الإمام أحمد .. عن عبد الرحمن بن غنم: أنّ الدّاري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر، فلمّا كان عام حرمت، جاء براوية فلمّا نظر إليه ضحك فقال:«أشعرت أنّها قد حرّمت بعدك؟» فقال: يا رسول الله ألا أبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود، انطلقوا إلى ما حرّم عليهم من شحم البقر والغنم فأذابوه فباعوه إنه ما يأكلون، وإن الخمر حرام وثمنها حرام، وإن الخمر حرام وثمنها حرام، وإن الخمر حرام وثمنها حرام» .
هـ- وروى الإمام أحمد .. عن نافع بن كيسان أن أباه أخبره: أنّه كان يتّجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق، يريد بها التجارة، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني جئتك بشراب طيّب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا كيسان إنها قد حرّمت بعدك» ، قال: فأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها حرّمت وحرم ثمنها» فانطلق كيسان إلى الزقاق فأخذ بأرجلها ثم هراقها.
و- وروى الإمام أحمد .. عن أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح، وأبي
بن كعب، وسهيل بن بيضاء، ونفرا من أصحابه عند أبي طلحة وأنا أسقيهم حتى كاد الشراب يأخذ منهم، فأتى آت من المسلمين فقال: أما شعرتم أنّ الخمر قد حرّمت؟
فما قالوا حتى ننظر ونسأل، فقالوا: يا أنس اكف ما بقي في إنائك، فو الله ما عادوا فيها وما هي إلا التمر والبسر، وهي خمرهم يومئذ. وأخرجاه في الصحيحين أيضا.
ز- روى أحمد .. عن قيس بن سعد بن عبادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربي تبارك وتعالى حرّم عليّ الخمر والكوبة (1) والقنين (2)، وإياكم والغبيراء (3)، فإنّها ثلث خمر العالم» .
ح- روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله حرّم على أمتي الخمر، والميسر، والمزر، والكوبة، والقنين، وزادني صلاة الوتر» .
قال يزيد: القنين: البرابط، تفرد به أحمد.
ط- روى الإمام أحمد .. عن عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من جهنم» قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إنّ الله حرّم الخمر، والميسر، والكوبة، والغبيراء، وكل مسكر حرام» .
ي- روى الإمام أحمد عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد، فخرجت معه فكنت عن يمينه، وأقبل أبو بكر فتأخّرت له، فكان عن يمينه وكنت عن يساره، ثم أقبل عمر فتنحيت له فكان عن يساره فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد فإذا بزقاق على المربد فيها خمر، قال ابن عمر: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية، قال ابن عمر:
وما عرفت المدية إلا يومئذ، فأمر بالزقاق فشقت، ثم قال:«لعنت الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومعتصرها، وآكل ثمنها» .
ك- روى الحافظ أبو بكر البيهقي
…
عن مصعب بن سعد عن سعد قال: أنزلت في الخمر أربع آيات فذكر الحديث، قال: وصنع رجل من الأنصار طعاما، فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرّم حتى انتشينا، فتفاخرنا، فقالت الأنصار: نحن أفضل وقالت قريش: نحن أفضل، فأخذ رجل من الأنصار لحي جزور فضرب به أنف سعد ففزره وكان
(1) - الكوبة: النرد او الطبل الذي يسمّى الدربكة
(2)
- والقنين: نوع من أنواع لعب الروم يتقامرون به وفسّر بالبربط الذي هو عود النغم
(3)
- الغبيراء: نوع من أنواع الشراب المسكر يتخذه أهل الحبشة من الذرة.
أنف سعد مفزورا فنزلت: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ أخرجه مسلم. من حديث شعبة.
ل- روى الحافظ البيهقي .. عن ابن عباس قال: إنّما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا فلمّا أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض، فلمّا أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته، فيقول: صنع بي هذا أخي فلان، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن: والله، لو كان رءوفا رحيما ما صنع هذا بي، حتى وقعت الضغائن في قلوبهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إلى قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فقال ناس من المتكلفين: هي رجس وهي في بطن فلان، وقد قتل يوم أحد، فأنزل الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إلى آخر الآية. ورواه النسائي.
م- روى ابن جرير
…
عن أبي بريدة عن أبيه قال: بينا نحن قعود على شراب لنا، ونحن على رملة، ونحن ثلاثة- أو أربعة- وعندنا باطية لنا، ونحن نشرب الخمر حلا، إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلّم عليه، إذ نزل تحريم الخمر: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ إلى آخر الآيتين فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ، قال:
وبعض القوم شربته في يده، قد شرب بعضها وبقي بعض في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام، ثم صبّوا ما في باطيتهم، فقالوا: انتهينا ربنا».
س- روى الحافظ أبو يعلى الموصلي عن جابر بن عبد الله قال: كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين، فحمل منها بمال، فقدم بها المدينة، فلقيه رجل من المسلمين فقال: يا فلان إنّ الخمر قد حرّمت فوضعها حيث انتهى على تل، وسجّى عليها بأكسية، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بلغني أنّ
الخمر قد حرّمت، قال:«أجل» قال: لي أن أردها على من ابتعتها منه؟ قال: «لا يصلح ردّها» ، قال: لي أن أهديها إلى من يكافئني منها؟ قال لا. قال: فإن فيها مالا ليتامى في حجري، قال:«إذا أتانا مال البحرين فإننا نعوّض أيتامك من مالهم» . ثمّ نادى بالمدينة، فقال رجل: يا رسول الله، الأوعية ننتفع بها قال:«فحلوا أوكيتها» فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي» هذا حديث غريب.
ع- روى الإمام أحمد .. عن أنس بن مالك: أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام في حجره ورثوا خمرا، فقال:«أهرقها» . قال: «أفلا نجعلها خلا؟ قال:
«لا» . ورواه مسلم وأبو داود والترمذي.
ف- روى أحمد .. عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«من ترك الصلاة سكرا مرة واحدة، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها، ومن ترك الصلاة سكرا أربع مرات كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال» . قيل: وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل جهنم» .
ص- روى أحمد وأبو داود
…
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مخمّر خمر، وكلّ مسكر حرام. ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا، فإن تاب، تاب الله عليه- فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينه الخبال قيل وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال» . تفرّد به أبو داود.
ق- روى الشافعي رحمه الله .. عن ابن عمر: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب حرمها في الآخرة» . أخرجه البخاريّ ومسلم.
ر- روى مسلم
…
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة» .
ش- روى أحمد
…
عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة منّان ولا عاقّ ولا مدمن خمر» .
ت- روى البيهقي
…
عن عثمان بن عفان قال: اجتنبوا الخمر فإنّها أمّ الخبائث، إنّه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبّد ويعتزل الناس، فعلقته امرأة غويّة، فأرسلت إليه جاريتها فقالت ندعوك لشهادة، فدخل معها، فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطيّة خمر، فقالت. إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكني دعوتك لتقع عليّ أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب هذا الخمر، فسقته كأسا فقال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه. وهذا إسناد صحيح.