الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عظيم وإن لم يكن مصلحا فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته. ثمّ هدّد الكافرين وأوعدهم بأن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: انتظروا إنا منتظرون. ثم
هدد الله تعالى من فارق دين الله وخالفه، وتفرّق فيه كأهل الملل، والنّحل، والأهواء، والضلالات، ممن تركوا ما أحلّ الله، أو حرموا ما أحل، أو انحرفوا في الفهم، كل هؤلاء أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبرأ منهم ويتبرأ، وأن يكل أمرهم إلى الله، والله هو الذي سينبئهم بما كانوا يفعلونه. وختمت هذه المجموعة بتبيان فضل الله، وعدله، إذ جعل الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، ليقبل عباده على الحسنات، وليعرفوا عدله، وأنّه يعاقب على السيئات، وبهذا المعنى انتهت المجموعة الثانية من هذا المقطع، وفيها بيّن الله المحرمات الرئيسية، ورد على الضالّين ووعظهم وهدّدهم.
وتأتي المجموعة الثالثة وهي تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما أنعم الله به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف. وهو الدين القائم الثابت. دين إبراهيم الحنيف عن كل باطل، والمستقيم على أمر الله، والطاهر من الشرك. ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن لهؤلاء المشركين إخلاصه لله، وأنه لا يطلب ربّا سواه، وكيف يفعل والله رب كل شئ؟ وهو الذي سيحاسب كل نفس على عملها، وهو الذي لا يحمّل نفسا إثم نفس أخرى، ثم أمره أن يبلغهم أن إلى الله المرجع، وأن الله سيحكم بين الجميع فيما اختلفوا فيه.
ثم يختم المقطع وتختم السورة بما يذكرنا بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً .. بتقرير أن الله قد جعلنا خلائف في الأرض، وجعل الأرض لنا، ولكي يتم إعمار الأرض، رفع بعضنا فوق بعض درجات، وأن في ذلك ابتلاء للجميع، هل يلتزم كل منهم بحكم الله فيما آتاه. ثم ختمت السّورة بالتذكير أنّ حسابه وعقابه سريع فيمن عصاه وخالف رسله، وأنه غفور رحيم لمن والاه واتّبع رسله فيما جاءوا به، وبهذا تنتهي السورة. وسنعرض المقطع على أنه مقدمة ومجموعات ثلاث وخاتمة.
المعنى الحرفي:
«مقدمة المقطع»
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ. أي: خلق جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ. أي: مسموكات
مرفوعات وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ. أي: متروكات على وجه الأرض لم تعرش، يقال عرشت الكرم إذا جعلت له دعائم وسمكا تعطف عليه القضبان ويمكن أن يسمى كل ما استنبته الناس من أشجار وأصلحوه وخدموه معروشا، وكل ما خرج في البر والجبال مما لم يخدم غير معروش وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ في اللون والطعم، والحجم والرائحة والأكل والثمر، والضمير للنخل، والزرع داخل في حكمه، أو لكل منهما، فإنّ النّخل يبلغ أنواع تمره المئات، ولكل منها حجم ولون وطعم. والزّرع منه القمح والفول والحمّص والعدس والبطاطا وغير ذلك، ومع أن الكثير منها يجمعها أنّها من النّشويات فإن لكلّ لونا وطعما ومنفعة ونكهة وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ في اللون وفي الطعم كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ. أي: من ثمر كل واحد مما مر، والأمر للإباحة، وذكر أول الإثمار لا يعني أنه لا يباح إلا إذا أدرك، بل إباحة الاستفادة موجودة قبل وبعد، ولكن عمليا تبدأ الاستفادة منه في الطعام وقت الإثمار وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ. أي: زكاته أو صدقته وسيأتي في الفوائد ما له علاقة بها وَلا تُسْرِفُوا. أي: بإعطاء الكل وتضييع العيال إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لأنهم يضيّعون الحقوق ويتجاوزون الحدود
وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً. أي: وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال، وما يفترش للتريّح، أو الحمولة الكبار التي تصلح للحمل، والفرش الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها، أو الحمولة ما تركبون، والفرش ما تأكلون وتحلبون، فالشاة لا تحمل ولكن تأكلون لحمها وتشربون لبنها وتتخذون من صوفها لحافا وفرشا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ. أي: كلوا ما أحل الله لكم منها ولا تحرّموها كما فعل الجاهليون من عرب وغيرهم وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ. أي: طرقه في التحريم والتحليل إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. أي: واضح العداوة فاتهموه على دينكم
ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ. أي أنشأ لكم حمولة وفرشا ثمانية أزواج. أي أنشأ لكم ثمانية أزواج مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ. أي: زوجين اثنين، والواحد إذا كان وحده فهو فرد، وإذا كان معه غيره من جنسه سمّي كل واحد منهما زوجا وهما زوجان، والضأن جمع ضائن، والمعز جمع ماعز قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ المراد بالاستفهام هنا الإنكار، والمراد بالذكرين الذكر من الضأن، والذكر من المعز، وبالأنثيين الأنثى من الضأن والأنثى من المعز. والنص إنكار أن يحرم الله من جنسي الغنم ضأنها ومعزها شيئا من نوعي ذكورها وإناثها أو مما تحمل الإناث