الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كلمة في سياق خاتمة السورة]
- بدأ القسم الثالث بالأمر بالبلاغ، وحدّد في مقطعه الأول مضامين من البلاغ لغير المسلمين، ثم جاء المقطع الثاني في القسم فحدّد مضامين من البلاغ لأهل الإيمان، ثم جاءت خاتمة السورة لتطوي الزمن وتعرض علينا في آيتها الأولى كيف أن الله سيجمع الرّسل عليهم السلام، ويسألهم عن جواب أقوامهم لهم، كأن هذه النّقلة تشير إلى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلّغ، وأن على الناس أن يستجيبوا، وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم شهيد على الموقف، ومن بين الرّسل جميعا يخصّ المسيح عليه السلام بكلام تتقرّر فيه صحة ما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه في شأنه مما يخدم معاني المقطع الأول في القسم الثالث ومعاني في القسمين الأول والثاني يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ؟ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ....
فالخاتمة مرتبطة بالقسم السابق عليها مباشرة، ومرتبطة بمحور السورة، وكلّ ذلك قد جاء من خلال عرض مشهد من مشاهد يوم القيامة، يعرض الله- عز وجل علينا فيه حقيقة عيسى وأمّه، وحقيقة دعوته، وذلك بعد أن مر معنا أكثر من مرة كفر الذين غلوا في شأنه، فكأنّ السورة ذكرت في السياق ما يناسبه من شأن القائلين بألوهية المسيح عليه السلام، حتى إذا فرغت السورة من تقرير الأحكام، وبيان ما يقتضيه سياقها، خلصت إلى ذكر حقيقة المسيح وأمه عليهما السلام، وحقيقة دعوته.
- لقد رأينا في السورة نقض اليهود والنصارى للمواثيق، ورأينا غلوّ النصارى في المسيح عليه السلام وأمه في أكثر من مكان، وفي خاتمة السورة يأتي تقرير مسألة المسيح وأمه عليهما السلام على حقيقتها التي ينبغي أن يرجع النّاس إليها.
- قلنا عن سورة المائدة إنها استمرار لسورة النساء في كونها تفصّل هي وسورة النساء، وسورة الأنعام بعدهما، في مقطع الطريقين: الطريق إلى التقوى، والطريق إلى الكفر والنفاق. وفصّلت سورة النساء بشكل أخص في الآية: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وفصلت سورة المائدة بشكل أخص في قوله تعالى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
وتأتي خاتمة سورة المائدة لتقرّر أن دعوة عيسى عليه السلام هي الدعوة المحمدية نفسها: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ. فبعد أن تمّ التفصيل للطريقين في سورة النساء، وسورة المائدة، تأتي خاتمة سورة المائدة لتقرّر أن ما دعا إليه القرآن الناس جميعا، من عبادة الله وحده، هو لباب دعوة كل رسول، ومنهم عيسى عليه الصلاة والسلام.
وتأتي خاتمة سورة المائدة وفيها تقرير لحقيقة عيسى عليه السلام، ودعوته بين يدي سورة الأنعام التي تناقش الكافرين بكفرهم وتقيم عليهم الحجة. فكأنّ هذه الخاتمة هي الربط ما بين سورتي المائدة والنساء، وبين سورة الأنعام، وهي السور الثلاث التي تفصّل مقطعا كاملا من سورة البقرة.
- وفي الخاتمة نموذج على ناس نقضوا العهد في شأن عيسى، ونموذج على ناس وصلوا ما أمر الله به أن يوصل وهم الحواريون. وفي المقطع نموذج على صلاح المصلحين في الأرض، وفيها إعلام بما ينجي عند الله وهو الصدق، وإعلان أن المالكية لله- عز وجل وهو الإعلان الذي رأيناه في أواخر سورة البقرة، وأواخر سورة
آل عمران، وهو الذي ينبغي أن يقرّ به الإنسان ليكون ممن يعبد الله وحده.
ولئن كان من خلال هذا المشهد من مشاهد يوم القيامة يتقرر: قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فإن ذلك درس لمن يكتم شهادة الله في الدنيا، ويخون الأمانة. وصلة ذلك بالفقرة السابقة على الخاتمة واضحة، إذ هي في أداء الشهادة والأمانة.
وأن تختم السورة التي تربي على الوفاء بالعهود، ووصل ما أمر الله به أن يوصل، والإصلاح في الأرض بهذه الخاتمة التي ترينا هول المقام يوم القيامة، وشدة التدقيق حتى مع الرسل عليهم الصلاة والسلام، فذلك واضح الدلالة على أن ما طولبتم به أيها الناس، أنتم محاسبون عليه فخذوا الأمر بمنتهى القوة.
وهكذا نجد أنّ خاتمة السورة في محلّها، تؤدي أكثر من خدمة للسياق، فهي تربي على معانيها، وتكمّل معاني قسمها، وتضع الأمور في مواضعها بالنسبة لقضايا تعرّض