الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة:
- بمناسبة قوله تعالى: وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يروي ابن كثير هذا الحديث يقول: وفي مسند الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضلّ» .
تعليق: [لصاحب الظلال حول آية وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ
.. ]
بمناسبة هذه الآية يقول صاحب الظلال:
(إن هذه العقيدة تنشئ في القلب حياة بعد الموت، وتطلق فيه نورا بعد الظلمات.
حياة يعود بها تذوق كل شئ، وتصور كل شئ تحت أشعته وفي مجاله جديدا كما لم يبد من قبل قط لذلك القلب الذي نوّره الإيمان.
هذه التجربة لا تنقلها الألفاظ. يعرفها فقط من ذاقها .. والعبارة القرآنية هي أقوى عبارة تحمل حقيقة هذه التجربة؛ لأنها تصوّرها بألوان من جنسها ومن طبيعتها.
إن هذا الكفر انقطاع عن الحياة الحقيقية الأزلية الأبدية، التي لا تفنى ولا تغيض ولا تغيب. فهو موت .. وانعزال عن القوة الفاعلة المؤثرة في الوجود كله .. فهو موت ..
وانطماس في أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية .. فهو موت ..
والإيمان اتصال، واستمداد، واستجابة .. فهو حياة ..
إن الكفر حجاب للروح عن الاستشراف والاطلاع .. فهو ظلمة .. وختم على الجوارح والمشاعر .. فهو ظلمة .. وتيه في التيه وضلال .. فهو ظلمة ..
وإن الإيمان تفتح ورؤية، وإدراك واستقامة .. فهو نور بكل مقومات النور. إن الكفر انكماش وتحجّر .. فهو ضيق .. وشرود عن الطريق الفطري الميسر .. فهو عسر .. وحرمان من الاطمئنان إلى الكنف الآمن .. فهو قلق ..
وإن الإيمان انشراح ويسر وطمأنينة وظل ممدود ..
وما الكافر؟ إن هو إلا نبتة ضالة لا وشائج لها في تربة هذا الوجود ولا جذور .. إن هو إلا فرد منقطع الصلة بخالق الوجود، فهو منقطع الصلة بالوجود. لا تربطه به إلا
روابط هزيلة من وجوده الفردي المحدود. في أضيق الحدود. في الحدود التي تعيش فيها البهيمة. حدود الحس وما يدركه الحس من مظاهر هذا الوجود!
إن الصلة بالله، والصلة في الله، لتصل الفرد الفاني بالأزل القديم والأبد الخالد. ثم تصله بالكون الحادث والحياة الظاهرة .. ثم تصله بموكب الإيمان، والأمة الواحدة الضاربة في جذور الزمان، الموصولة على مدار الزمان .. فهو في ثراء من الوشائج وفي ثراء من الروابط. وفي ثراء من «الوجود» الزاخر الممتد اللاحب الذي لا يقف عند عمره الفردي المحدود.
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور، فتتكشف له حقائق هذا الدين، ومنهجه في العمل والحركة، تكشفا عجيبا .. إنه مشهد رائع باهر هذا الذي يجده الإنسان في قلبه حين يجد هذا النور .. مشهد التناسق الشامل العجيب في طبيعة هذا الدين وحقائقه. ومشهد التكامل الجميل الدقيق في منهجه للعمل وطريقته. إن هذا الدين لا يعود مجموعة معتقدات وعبادات وشرائع وتوجيهات .. إنما يبدو «تصميما» واحدا متداخلا متراكبا متناسقا .. متعاشقا يبدو حيا يتجاوب مع الفطرة وتتجاوب معه في ألفة عميقة وفي صداقة وثيقة، وفي حب ودود!
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور؛ فتتكشف له حقائق الوجود، وحقائق الحياة، وحقائق الناس، وحقائق الأحداث التي تجري في هذا الكون وتجري في عالم الناس ..
تتكشف له في مشهد كذلك رائع باهر .. مشهد السنّة الدقيقة التي تتوالى مقدماتها ونتائجها في نظام محكم ولكنه فطري ميسر .. ومشهد المشيئة القادرة من وراء السنّة الجارية تدفع بالسنة لتعمل وهي من ورائها محيطة طليقة .. ومشهد الناس والأحداث وهم في نطاق النواميس وهي في هذا النطاق أيضا.
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث يجد الوضوح في نفسه وفي نواياه وخواطره وخطته وحركته، ويجد الوضوح فيما يجري حوله سواء من سنة الله النافذة، أو من أعمال الناس ونواياهم وخططهم المستترة والظاهرة. ويجد تفسير الأحداث والتاريخ في نفسه وعقله وفي الواقع من حوله كأنه يقرأ من كتاب.
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور، فيجد الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه.