الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى العام:
يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بصفة الرسالة، آمرا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به، وقد امتثل عليه أفضل الصّلاة والسلام ذلك، وقام به أتمّ القيام، ثم بين الله له أنه إن لم يؤد إلى الناس ما أرسله الله به لم يبلغ رسالته، فهو إن كتم آية واحدة ممّا أنزله الله إليه لم يبلّغ رسالته، ثمّ وعده الله- عز وجل أن بلّغ رسالتي، وأني حافظك وناصرك ومؤيّدك على أعدائك ومظفرك بهم. فلا تخف ولا تحزن فلن يسلّط عليك أحد ليقتلك. وقد كان النّبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس، فلمّا نزل الوعد ترك الحراسة، ثم بيّن له أنّ عليه أن يبلّغ وعلى الله الهداية، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ومن سنته أنه لا يهدي الذين يختارون طريق الكفر، وفي سياق الأمر بتبليغ الرسالة يأمره أن يقول لأهل الكتاب إنهم ليسوا على شئ من الدين حتى يقيموا التوراة والإنجيل، بأن يؤمنوا بجميع ما بأيديهم من الكتب المنزّلة من الله على الأنبياء، ويعملوا بما فيها، ومما فيها الإيمان بمحمّد صلى الله عليه وسلم والأمر باتّباعه والإيمان بمبعثه، والاقتداء بشريعته ثم بيّن تعالى أن كثيرا منهم لا يزداد إلا طغيانا وكفرا، مع كل ما في الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من حجج وبينات.
ثمّ نهى الله- عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحزن عليهم، ثمّ بيّن تعالى أن المسلمين، أو اليهود الذين أسلموا، أو النصارى الذين أسلموا، أو الصابئة الذين أسلموا، ممن آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحا، مأجورون عند الله، ناجون عنده، بموافقتهم للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثّقلين. فمن اتّصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا على ما تركوا وراء ظهورهم، ولا هم يحزنون، وأما قبل بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم فإنهم ينجون إذا قاموا بما كلّفوا به، من الإيمان والعمل الصالح، وفي هذا السياق- سياق الأمر بتبليغ الرسالة- بيّن الله- عز وجل أنّه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السّمع والطاعة لله ولرسله، فنقضوا تلك العهود والمواثيق، واتّبعوا آراءهم وأهواءهم، وقدّموها على الشرائع، فما وافقهم منها قبلوه، وما خالفهم ردوه. وحسبوا أن لا يترتب لهم شر على ما صنعوا، فترتّب، وهو أنهم عموا عن الحق، وصمّوا فلا يسمعون حقا ولا يهتدون إليه، ثمّ تاب الله عليهم مما كانوا فيه، فعادوا إلى العمى والصّمم إلا قليلا، والله مطّلع عليهم، وعليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية منهم. وفي هذا السياق- سياق الأمر بتبليغ الرسالة- يقرّر الله
كفر من زعم أنّ المسيح هو الله، تعالى الله عن قولهم وتنزّه علوا كبيرا، مع أنّ المسيح عليه السلام دعاهم لعبادة الله وحده، وبيّن لهم أنّ من أشرك بالله فقد أوجب له النّار وحرّم عليه الجنّة، وأنّه ما له عند الله ناصر، ولا معين، ولا منقذ مما هو فيه. ثمّ قرّر الله- عز وجل كفر القائلين بالتثليث، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فما من إله إلا إله واحد ليس متعددا بل هو واحد لا شريك له، إله جميع الكائنات، وسائر الموجودات، ثمّ قال تعالى متوعدا لهم ومتهدّدا، بأنهم إن لم ينتهوا عن هذا الافتراء والكذب ليصيبنّهم العذاب الأليم في الآخرة من الأغلال والنّكال. ثمّ دعاهم الله- عز وجل إلى التوبة والاستغفار، ووعدهم الغفران وهذا من كرمه وجوده ولطفه ورحمته بخلقه، مع هذا الذنب العظيم، وهذا الافتراء، والكذب، والإفك، يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، فكلّ من تاب إليه تاب عليه. ثمّ بيّن الله- عز وجل حقيقة المسيح وأنه ليس إلا رسولا له أسوة أمثاله من سائر المرسلين المتقدّمين عليه، وأنّه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام، وأمّه مؤمنة به، مصدّقة له، وهذا أعلى مقاماتها، فهي لم تصل إلى درجة النّبوة لأنه لم تكن نبية قطّ أنثى، وأنّ المسيح وأمّه كانا يأكلان الطعام فهما يحتاجان إلى التغذية به، وإلى خروجه منهما، والافتقار دليل العبودية، فهما عبدان كسائر الناس، وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة.
عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وفي هذا السياق،- سياق الأمر بتبليغ الرسالة- يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينكر عليهم عبادتهم من لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، مع أن الله وحده هو السّميع العليم. السّميع لأقوال عباده، العليم بكلّ شئ، فكيف يعدل عنه إلى عبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئا، ولا يملك ضرا ولا نفعا لغيره ولا نفسه. ثمّ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينهى أهل الكتاب عن مجاوزة الحدّ في إطراء من أمروا بتعظيمه، حيث بالغوا فيه حتى أخرجوه عن حيّز النّبوة إلى مقام الإلهية كما صنعوا في المسيح، وما ذاك إلا لاقتدائهم بشيوخهم، شيوخ الضلال، ممّن ضلّ قديما وأضلّ، وخرج عن طريق الاستقامة والاعتدال، إلى طريق الغواية والضّلال، ثم قرّر تعالى أنّه لعن الكافرين من بني إسرائيل فيما أنزله على داود نبيّه عليه السلام، وعلى لسان عيسى بسبب عصيانهم لله، واعتدائهم على خلقه، وبسبب أنّهم كانوا لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثم ذمّهم على ذلك ليحذّرنا أن نرتكب مثل الذي ارتكبوه، فقال: لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ثم بيّن تعالى أن كثيرا منهم يوالون الكافرين ويتركون موالاة المؤمنين وتلك أعقبتهم نفاقا في قلوبهم، وأسخطت الله عليهم