الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي».
ج- وروى مسلم
…
عن أبي هريرة أيضا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
كلمة في المقطع الأخير:
رأينا كيف أن المقطع ذكّر بنعمة الله على الإنسان في خلقه له النبات، والأنعام، وكيف أن بعض الخلق يحرّمون ما خلق الله لهم بدون علم. ثم إن المقطع بعد أن ردّ هذا التحريم، بيّن ما حرّم الله، وردّ على المشركين زعمهم من أن عقائدهم وأفعالهم دليل على رضا الله، ثم بين المحرمات الرئيسية. ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن عن مجموعة من القضايا والالتزامات. ثم ذكّر الله البشر بنعمته عليهم، إذ جعلهم خلائف في الأرض؛ فسخّرها لهم، وجعلهم يتصرفون بها، ويملكونها، وما ينبغي أن يقابل ذلك بالقيام بحق الله.
وكل هذا سائر على النسق العام للسورة، بما يخدم سياقها الخاص، وبما يفصّل في محورها، وكلّ ذلك قد رأيناه.
ملاحظة: نلاحظ أن السورة تنقسم إلى قسمين كبيرين. القسم الأول من بدايتها إلى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى والقسم الثاني من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى إلى خاتمتها. والملاحظ أن القسمين يكادان يكونان متساويين، من حيث الحجم، وهذه الملاحظة نلاحظها في كثير من السور. ولعلّ القارئ لحظ هذا فيما مر، وسيلحظه فيما يأتي، وإنما نبّهنا عليه هنا لوضوح ذلك في هذه السورة.
وقد يكون من حكمة ذلك أنه لو قرأ الإنسان في صلاة واحدة ركعتين مثلا، فإنه يستطيع أن يقف في الركعة الأولى عند القسم الأول، ليأخذ حظه في الركعة الثانية بتلاوة القسم الثاني. وفي ذلك نوع من التنسيق بين العقل، والقلب، والعبادة، ونوع من الترتيب، والتنظيم يتفق مع ما أراده الله لهذه الأمة من الكمال؛ بما أنزله عليها من هذا القرآن الكامل.
كلمة في سورة الأنعام:
كرّرنا كثيرا أن محور سورة الأنعام هو قوله تعالى في سورة البقرة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ
لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وأن هذا المحور هو جزء من محور سورة النساء، والمائدة، والأنعام، والمبدوء بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً
…
وقد لاحظنا كيف أن سورة الأنعام سفّهت الكفر بالله، وسفّهت صنيع أهله، وفضحت كل مظاهره، وذكّرت بالرجوع إلى الله، وفصّلت كيف أنّ الله خلق هذه الأرض للإنسان بكل ما فيها، وفصّلت فيما فعله الكافرون مما ينافي ذلك، وناقشتهم، وتتبعت مسارب الضلال في قلوبهم، وعقولهم، ولاحقتها، وعرّفت الخلق على الله حقّ المعرفة، ليتقوه حق التقوى، فكمّلت بذلك عمل سورة النساء، والمائدة، وأدت حق محورها، وتسلسلت المعاني فيها، معنى وراء معنى، يكمّل اللاحق السابق، وينسجم السابق مع اللاحق، وكل ذلك على مستوى من البيان عجيب، ومن الإعجاز عظيم، ومن تأمل مثل قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ومثل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ* فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.
علم أن مثل هذا البيان لا يمكن أن يكون إلا من عند الله، ومن تأمل مثل قوله تعالى: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ومثل ما رأيناه من تلخيص لما في الكتب السابقة، عرف كيف أنّ الكمال في هذا القرآن لا يتناهى، وأنّ الإعجاز فيه لا يتناهى، وعرف نعمة الله على هذه الأمّة؛ إذ أنزل عليها هذا القرآن، وعرف نعمة الله على البشرية بأن كان القرآن كذلك، وحمد الله على نعمة الإيمان، فالحمد لله أولا وآخرا، وله الثناء الحسن على ما أنعم به علينا، وتفضّل من نعمة الإيمان بهذا القرآن والإسلام.
وإذا كانت سورة الأنعام قد فصلت في محورها الذي رأيناه، فإنّ سورا أخرى كثيرة ستفصل في المحور نفسه، مع امتداداته ومحله في السياق، وكل ذلك على طريقة لم يألفها البشر، ولا يستطيعوها، وهذه إحدى مظاهر الإعجاز في القرآن، وحسبنا أن نشير في هذا الكتاب إشارات.