الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك في صورة البشر ولم يره منهم على صورته غير النبي صلى الله عليه وسلم رآه كذلك مرتين مرة في الأرض بجياد ومرة في السماء، ولا يخفى أن هذا محتاج إلى نقل عن الأحاديث الصحيحة والذي صحّ من رواية الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام مرتين كما ذكر على صورته الأصلية لكن ليس فيه أن أحدا من إخوانه الأنبياء غيره عليه الصلاة والسلام لم يره كذلك، ولم يرد هذا- كما قال ابن حجر وناهيك به حافظا في شئ من كتب الآثار، وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وكذا رؤية غيره من الأنبياء غير جبريل عليه السلام، على الصورة الأصلية فهي جائزة بلا ريب، وظاهر الأخبار وقوعها أيضا لنبينا عليه الصلاة والسلام، وأما وقوع رؤية سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم أقف فيها على شئ لا نفيا ولا إثباتا، وعدم رؤية جبريل عليه السلام لو صح لا يدل على عدم رؤية غيره، إذ ليست صور الملائكة كلهم كصورته عليه الصلاة والسلام في العظم، وخبر الخصمين والأضياف لإبراهيم. ولوط. وداود عليهم السلام ليس فيه دلالة
على أكثر من رؤية هؤلاء الأنبياء للملائكة بصورة الآدميين، وهي لا تستلزم أنهم لا يرونهم إلا كذلك وإلا لاستلزمت رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بصورة دحية بن خليفة الكلبي رضي الله تعالى عنه مثلا عدم رؤيته عليه الصلاة والسلام إياهم إلا بالصورة الآدمية وهو خلاف ما تفهمه الأخبار».
أقول: إن التركيب النفسي والروحي والقلبي للرّسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يختلف، فهم بشر ولكنهم يوحى إليهم، ومن ثمّ فسنّة الله فيهم غير سنّته في بقية خلقه، ثمّ إن الآية تفيد أنّه لو أنزل ملك بناء على اقتراحهم لقضي الأمر، وتلك سنّة من سنن الله أنّه لو استجاب لاقتراح قوم بإنزال ملك وهو اقتراح متعنت فإنّه يأتيهم العذاب، فلا نحتاج إذن لبحث إمكان رؤية الملائكة بسبب من الآية.
3 - [عوالم المخلوقات تحكمها سنن وقوانين ربانية]
فهمنا من الآيتين الأخيرتين أن لهذا العالم قوانين وسننا، وأن الملائكة في خلقتهم الكاملة لا يراهم البشر في قوانين هذا العالم إلا من خصّه الله بخصائص معيّنة كالرّسل، وهذا شئ واضح لأن الحواسّ البشرية محدودة بحسب القوانين الإلهية، فالأذن مثلا لا تستطيع أن تسمع الأصوات التي تقل ذبذباتها إلى 13 ذبذبة في الثانية، ولا تستطيع أن تسمع الأصوات إذا ارتفعت ذبذباتها فوق 30000 ذبذبة في الثانية، وكذلك العين لا ترى المادة إذا وصلت إلى حالة من الوجود لطيفة جدا، وكذلك إذا وصلت المادة إلى حالة من الكثافة مرتفعة جدا وقد حسب إينشتاين الحالة التي لا ترى فيها المادة إذا
وصلت إلى ثقل نوعي معيّن (راجع إينشتاين من سلسلة اقرأ) وهذا كله ضمن عالم المادة، فكيف بعالم الغيب، فما أجهل من يكفر، وما أحمق من يرفض الإيمان بما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قامت الأدلة على صدق رسالته.
ولنعد إلى السياق فبعد أن ردّ الله على هؤلاء المكذبين المتعنتين عزّى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. أي: فأحاط بهم الشئ الذي كانوا يستهزءون به وهو الحق، حيث أهلكوا من أجل استهزائهم.
وبهذا انتهت المجموعة الأولى من المقطع الأول بعد أن بيّنت لنا طرفا من مواقف الكافرين وطبيعتهم واقتراحاتهم، وتأتي الآن المجموعة الثانية ويتوجه فيها الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظة (قل) ليردّ ويعالج ويعلن وهذه هي المجموعة الثانية:
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ يفيد قوله تعالى:
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبّه، على ذلك بثم؛ لتباعد ما بين الواجب والمباح، ونفهم من الآية أنّ النظر في مصارع المكذبين دواء، ويأتي الآن الدواء الثاني، فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ أمره أنّ يسألهم ويجيب، وفي ذلك إشارة فكأنه قال: لا خلاف بيني وبينكم على هذه الحقيقة، وأنكم لا تقدرون أن تنسبوا من المخلوقات شيئا إلى غيره، هذه هي الحقيقة الأولى، والحقيقة الثانية هي: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أصل معنى كتب: أوجب، ولا يجب للعبد على الله شئ في الأصل، وإنما المراد أنه وعد وعدا مؤكدا وهو منجزه لا محالة، وذكر النفس بهذه الصيغة يفيد الاختصاص ورفع الوسائط، ولمالكيته للسماوات والأرض ولكتابته على نفسه الرحمة فإنه أقسم لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ. أي لا شك فيه أي في هذا اليوم، أو في هذا الجمع، وقد فهمنا: أن إيجاد هذا اليوم هو أثر مالكيته ورحمته وهذا معنى سنراه كثيرا إذ أن من عرف أسماء الله وصفاته يدرك أنّ اليوم الآخر بديهي الوجود، كأثر عن هذا الجلال والكمال الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. أي: الذين خسروا أنفسهم يوم القيامة باختيارهم الكفر، هم الذين لا يؤمنون بهذا اليوم، ولا يخافون شر ما يصيبهم فيه، قرّر مجئ اليوم الآخر وخسارة الكافرين فيه بعد تقرير مالكيته ورحمته،
ثم يعود ليقرر مالكيته وسمعه وعلمه فقال: