الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولابن كثير فهم لطيف للنهي في قوله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قال ابن كثير: إن النهي في قوله تعالى وَلا تُسْرِفُوا يعود على الإسراف في الأكل قال: أي لا تسرفوا في الأكل لما به من مضرّة العقل والبدن».
بين يدي
المجموعة الأولى من المقطع:
تأتي بعد مقدمة المقطع المجموعة الأولى وهي مبدوءة بآية تبدأ بكلمة (قل) قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ
…
وتنتهي بآية مبدوءة بكلمة (قل) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا.
فبعد مقدمة المقطع التي ناقشت التحريم بغير علم، تأتي هذه المجموعة لتبين ما حرّم الله من الأنعام في شريعتنا وفي الشريعة الموسوية، وتناقشهم في الطريقة التي اعتمدوها إلى آخر ما عرضته المجموعة فلنرها:
المجموعة الأولى من المقطع
قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ. أي في ساعة نزول هذه الآية لأنّه حرّم شيء آخر بعد ذلك، أو في القرآن لأن وحي السنّة قد حرم غيره، أو في الأنعام لأن الآية في ردّ البحيرة وأخواتها، وأما الموقوذة، والمتردّية، والنطيحة التي ذكرت في سورة المائدة فهي من الميتة، وفيه تنبيه على أنّ التحريم إنما يثبت بوحي الله وشرعه، لا بهوى الأنفس مُحَرَّماً. أي: حيوانا حرم أكله عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ. أي: على آكل يأكله إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً. أي: إلا أن يكون الشئ المحرّم ميتة أَوْ دَماً مَسْفُوحاً.
أي: مصبوبا سائلا، فلا يحرم الدم الذي في اللحم، والكبد، والطحال، وبقايا العروق، ومكان الذبح أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ. أي: نجس أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. أي: ما رفع الصوت على ذبحه باسم غير الله، وسمّي فسقا لتوغله في باب الفسق فَمَنِ اضْطُرَّ. أي: فمن دعته الضرورة إلى أكل شئ من هذه المحرمات غَيْرَ باغٍ غير ظالم لمضطر مثله، تارك لمواساته وَلا عادٍ. أي:
متجاوز قدر حاجته من تناوله فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فلا يؤاخذ المضطر بل يغفر له؛ وذلك من آثار رحمته
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ. أي: ما له إصبع من دابّة أو طائر، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما. أي:
حرّمنا عليهم لحم كلّ ذي ظفر وشحمه وكل شئ منه، ولم يحرّم من البقر والغنم إلا الشحوم، إلا ما استثني منها بقوله: إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما. أي: ما اشتمل على الظهور والجنوب أَوِ الْحَوايا. هي ما اشتمل على الأمعاء فشحم الخاصرة مباح لهم أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ كالشحم الذي يخالط عظم الظهر، ومعنى هذا أنّه حرّم عليهم من الشحوم- شحوم الكلى وشحوم الألية- والأمعاء، أما الشحم الذي في الظهر، أو الشحم المختلط مع الخاصرتين والبطن، مما تكون الأمعاء داخلها، فكل هذه مباحة لهم، وسنرى في الفوائد بعض عبارات كتب اليهود ممّا يستأنس به في هذا المقام ما دام لا يعارض نصا ذلِكَ. أي: هذا التضييق عليهم جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ.
أي: بسبب ظلمهم وَإِنَّا لَصادِقُونَ فيما أخبرنا به
فَإِنْ كَذَّبُوكَ. أي: فيما أوحيت إليك من هذا فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ بها يمهل المكذّبين ولا يعاجلهم بالعقوبة وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. أي: فإنّه مع سعة رحمته فإنّ عذابه إذا جاء لا يردّ عن القوم المجرمين، فلا يغترّ المكذّبون بسعة رحمته عن خوف نقمته.
وبعد أن بين الله- عز وجل ما حرّمه في هذه الشريعة وما حرّمه في شريعة سابقة، وبعد أن قرّر في المقدمة أنهم حرّموا ما حرّموا من الأنعام بلا علم، فإنه في الآية اللاحقة يقيم الحجّة عليهم في دعواهم أن التحريم كان بمشيئته، وبناء عليه فإن ما حرّموه وما فعلوه هو محض الحق في زعمهم، إن الآية اللاحقة تقيم عليهم الحجة في هذا الشأن، وهكذا نجد أن الآيات تلاحق قضايا التحريم ملاحقة دقيقة حتى تنهي باطلها.
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا احتجاجا لشركهم وما حرّموه لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ ولكن شاء فهذا عذرنا، يعنون أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله لهم بمشيئته ولولا مشيئته لم يكن شئ من ذلك؛ وإذا شاء فقد رضي، فذلك دليل عندهم على أنّ ما فعلوه صحيح. جعلوا المشيئة تشريعا ورضا، ولا شكّ أن كل شئ بمشيئة الله، لأنّه لا يكون شئ إلا بمشيئته وقدرته، ولكنّه أرسل رسله بأمره، ورضاه لا يكون إلا بتنفيذ أمره وهم قد جعلوا المشيئة عين الرضا، فكذّبوا رسل الله ولذلك قال الله كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. أي: كتكذيبهم إيّاك، كذّب المتقدمون رسلهم، وتشبّثوا بمثل هذا فلم ينفعهم ذلك حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا. أي:
حتى أنزلنا عليهم العذاب قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ. أي: من أمر معلوم يصحّ الاحتجاج به فيما قلتم فَتُخْرِجُوهُ لَنا أي: فتظهروه لنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ.