الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقراء، إنكارا لأن يكون أمثالهم على الحق، وممنونا عليهم من بينهم بالخير، وقد قال الله في جواب ذلك أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. أي: أليس هو أعلم بالشاكرين له، بأقوالهم، وأفعالهم، وضمائرهم، فيوفقهم ويهديهم سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه إلى صراط مستقيم، وبعد النّهي عن طرد أهل التقوى أمره بتطييب قلوبهم وتبشيرهم
وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ.
أي: فأكرمهم بردّ السلام عليهم، وبشّرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم، وفي أمره تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول:«سلام عليكم» إما أن يكون أمرا بتبليغ سلام الله إليهم، وإما أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما وتطييبا لقلوبهم كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أمره أن يقول لهم هذا فيبشرهم بسعة رحمة الله، وقبوله التوبة منهم، ومعنى النص: وعدكم بالرحمة وعدا مؤكّدا، وأوجبها على نفسه الكريمة تفضّلا منه وامتنانا وإحسانا. ومن رحمته أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً. أي: ذنبا بِجَهالَةٍ.
أي: بسبب من الجهل، ولا يعصي أحد ربه إلا بجهل، إما بنسيانه بما يتعلق بالمعصية من المضرّة، أو لأن مجرد إيثار المعصية على الطاعة جهل ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ. أي:
من بعد السوء أو العمل وَأَصْلَحَ. أي: وأخلص توبته فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
أي: فشأنه أنه غفور رحيم، يغفر لأهل الإيمان ويرحمهم، فمن رجع عما كان عليه من المعاصي وأقلع وعزم على ألا يعود، وأصلح العمل في المستقبل، فقد وعده الله بالمغفرة والرّحمة، ثمّ ختم الله هذا التوجيه بقوله
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ. أي: ومثل ذلك التفصيل البيّن نفصل آيات القرآن ونوضّحها في صفة أحوال النّاس، ممن هو مطبوع على قلبه، أو من يرجى إسلامه وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ. أي: ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل بهذا البيان.
الفوائد:
1 - [سبب نزول الآية وَأَنْذِرْ بِهِ
…
وما بعدها]
يذكر ابن كثير سبب نزول الآيات: وَأَنْذِرْ بِهِ
…
وما بعدها فلننقل رواياته مع حذف الأسانيد:
أ- روى الإمام أحمد
…
عن ابن مسعود قال: مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خبّاب، وصهيب، وبلال، وعمّار فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء؟
فنزل فيهم القرآن وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ إلى قوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ.
ب- روى الإمام ابن جرير
…
عن ابن مسعود قال: مرّ الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب، وبلال، وعمّار، وخبّاب، وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمّد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ ونحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم أن نتّبعك، فنزلت هذه الآية:
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ إلى آخر الآية.
ج- روى الحاكم في مستدركه .. أن سعدا قال: نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود، قال: كنّا نستبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وندنو منه ونسمع منه فقالت قريش: يدني هؤلاء دوننا فنزلت: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ. قال الحاكم عن هذه الرواية: على شرط الشيخين. وأخرجها ابن حبّان في صحيحه.
د- روى ابن جرير
…
عن عكرمة في قوله: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ الآية. قال: جاء عتبة بن ربيعة، ومطعم بن عدي، والحارث بن نوفل وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل، في أشراف من بني عبد مناف من أهل الكفر، إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب: لو أنّ ابن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا، فإنّما هم عبيدنا وعسفاؤنا، كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتّباعنا إياه، وتصديقنا له، قال: فأتى أبو طالب النّبي صلى الله عليه وسلم فحدّثه بالذي كلموه فقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون، وإلى ما يصيرون من قولهم؟ فأنزل الله- عز وجل هذه الآية وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ إلى قوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ قال: وكانوا بلالا، وعمار بن ياسر، وسالما مولى أبي حذيفة، وصبيحا مولى أسيد، ومن الحلفاء ابن مسعود، والمقداد بن عمرو، ومسعود بن القاري، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وعمرو بن عبد عمرو، وذو الشمالين، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وأشباههم من الحلفاء. ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا الآية. فلما نزلت أقبل عمر رضي الله عنه فاعتذر من مقالته فأنزل الله- عز وجل: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا الآية.