الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5/ 11 - 7
كلمة في المقطع:
يبدأ المقطع بالأمر بالوفاء بالعقود، وينتهي بتذكيرنا بنعمة الله- عز وجل علينا أن كفّ أيدي النّاس عنا بعد إذ همّوا باستئصالنا، وكأن ختم المقطع بهذه النّهاية يقول لنا: أيها المؤمنون: كونوا مسلمين ملتزمين، ولا يحملنكم خوف الناس على التخلي عن إسلامكم، ولذلك فقد ختمت الآية الأخيرة بالأمر بالتقوى والتوكل .. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
وفي الآية الثانية من المقطع يرد قوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا.
وقبل نهاية المقطع بثلاث آيات يرد قوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى مما يشير إلى وحدة المقطع وارتباط نهاياته ببداياته.
بدأت السورة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.
وقبل نهاية المقطع بأربع آيات جاء قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ممّا يؤكد تعانق الصّلات بين بداية المقطع ونهايته.
يبدأ المقطع بالأمر بالوفاء بالعقود، ثمّ يعرض علينا صفحة من الحلال والحرام وما يحلّ لنا وما يحرم، وذلك جزء من عقود الله معنا.
ثمّ يأتي كلام عن الوضوء والغسل للصلاة، وهذا من أهم العهود المأخوذة علينا بدليل قوله عليه الصلاة والسلام «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر». ولذلك يأتي بعد آية الأمر بالطهارة مباشرة قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا.
ثم يأتي بعد ذلك أمر بالقيام لله، وبالشهادة بالقسط وهما كذلك من العهود، وأخيرا يأتي تذكير بأن قوما قد همّوا باستئصالنا، فكفّ الله أيديهم عنا، وذلك لتكون إقامتنا لأمر الله كاملة، ولنقيم العدل كاملا، ولنفي لله بالعقود كاملة، فالله معنا إن كنّا متقين متوكلين. فالمقطع كله إذن له صلة بالعقود والعهود المأخوذة علينا ولذلك فإن المقطع الثاني يبدأ بقوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ مما يشير إلى أن الكلام عن المواثيق لا زال مستمرا.
وفي معرض النّهي عن استحلال شعائر الله، والنهي عن استحلال قتال القاصدين للبيت الحرام يأتي قوله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ فالسياق يقول: لا تتعاونوا على مثل هذا، وتعاونوا على ما هو برّ وتقوى، وإذن فالتعاون على الإثم والعدوان يتنافى مع البر والتقوى، البرّ الذي حددته سورة البقرة وآل عمران، والتقوى التي فصّلت فيها سورة البقرة وآل عمران والنساء.
ومجيء قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. بين ذكر المحرمات من المطعومات، وبين الترخيص للمضطر، وإباحة الطيبات والصيود المشروعة، وطعام أهل الكتاب، وإباحة الزواج من المؤمنات ومن الكتابيات، ما يشعر بأهمية قضايا التحريم والتحليل في دين الله- عز وجل وأنها حلقة في منظومة هذا الدين. فإذا كان أساس الدين الأول (لا إله إلا الله محمد رسول
الله) فإن موضوع الحلال والحرام هو الشئ المتمّم المكمّل في هذا البناء. وإذن فكل المعاني تؤكد وحدة المقطع فلنتأمل صلة المقطع بالسياق القرآني العام:
- قلنا إن محور سورة المائدة هو قوله تعالى في سورة البقرة: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا .. وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
ولقد فصّل المقطع تفصيلا واضحا في قوله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ بأن طالبنا بالوفاء بالعقود وأرانا ما يدخل في العقود، وأمرنا أن نتذكر عهد الله علينا ومواثيقه، ليكون ذلك مقدمة للمقطع الثاني، الذي يبدأ بالكلام عن نقض بني إسرائيل للعهود، وعن نقض النصارى للعهود، فأنتم أيها الأمة المسلمة لا تنقضوا عهودكم.
لقد ذكر في المقطع العقود والخسران يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
لاحظ صلة ذلك بالمحور
…
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ إلى قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
قلنا: إن كل سورة جاءت بعد سورة البقرة تفصّل في محورها، وفي ارتباطات هذا المحور، وفي امتدادات معانيه التي هي أشد لصوقا به:
ومن امتدادات المحور في سورة البقرة قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا.
وهاهنا في سورة المائدة عرفنا أنّ كلمة (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) عهد وميثاق:
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا.
ولا يجوز نقضه، ومن نقضه ألا نتقيد بحلال ولا حرام، ومن نقضه ألا نلتزم بالحدود.
فههنا عرّفتنا سورة المائدة على بعض امتدادات المحور في سورة البقرة وعلى خيط الربط. ومن ارتباطات المحور في سورة البقرة: أنّ المحور وهو قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا