الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في سورة الأنعام:
قلنا إن سورة النساء، والمائدة، والأنعام تفصل في المقطع الأول من القسم الأول من سورة البقرة. وأن سورة الأنعام محل تفصيلها الآيتان الأخيرتان من هذا المقطع واللتان هما: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
ولو أنك نظرت في السورة نظرة تأمل لوجدتها تفصيلا لهاتين الآيتين: فالآية الثانية من سورة الأنعام هي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ لاحظ صلتها بقوله تعالى: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ
والآية الأخيرة في السورة هي: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لاحظ صلة الآية الأخيرة من سورة الأنعام بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً. والآية التي بعدها في سورة البقرة وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
إن الآية الثانية في المحور هي هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً والملاحظ أن كثيرا من آيات سورة الأنعام مبدوءة بقوله تعالى (وهو) وكثير من هذه الآيات تفصيل لكون الأرض بما فيها مخلوقة للإنسان.
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ 3
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ 18
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ .... 60
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً
…
61
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ
…
73
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
…
97
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ 98
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ .... 99
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ .... 141
وآخر آية في السورة: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ .... 165
ولقد جاءت آيات المحور في حيّز قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً
…
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فالمحور جاء يناقش الكافرين بالله، ويقيم عليهم الحجة في سياق الأمر بعبادة الله وتوحيده، ومن ثمّ فإنّ سورة الأنعام التي هي تفصيل لذلك المحور، تبدأ بما يشير إلى ذلك: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ومنها أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ، قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ 56 قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ
…
71 وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً ....
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ* بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ* لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
…
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ....
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ* قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ .. 164
من هذه المقتطفات ندرك أن سورة الأنعام تفصّل في محورها من سورة البقرة الآتي في حيز قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
…
ومن ثم فهي تفصيل للمحور في سياقه من سورة البقرة.
وقد رأينا منذ الكلام عن سورة آل عمران أن محاور السّور من سورة البقرة لها امتدادات معان في سورة البقرة نفسها، وأن السّور التي تفصّل في محاور من سورة البقرة، تفصّل في هذه المحاور وامتدادات معانيها، فتشد إلى المحور من سورة البقرة ما هو ألصق به، ثمّ تفصّل الجميع أو تبني على الجميع
وأثناء عرضنا لسورة البقرة رأينا صلة قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ بقوله تعالى:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً. فالله الذي خلق ما في الأرض للإنسان، أباح له أن يأكل منها إلا ما حرّم عليه. وفي سورة الأنعام تأتي تفصيلات في هذه الشئون وغيرها مما يعتبر تفصيلا لامتدادات معاني المحور في سورة البقرة.
فمثلا يوجد في سورة الأنعام تفصيل وحوار في ما أحلّ وحرّم من المطعومات وهذه نماذج:
6/ 120 - 118
6/ 121 فسورة الأنعام تفصّل في محورها من سورة البقرة، وفي محلّ هذا المحور من مقطعه، وفي امتدادات معاني هذا المحور من سورة البقرة.
تأتي سورة الأنعام كلا متكاملا، فهي تفصّل في ما ذكر، ولكن ضمن سياقها الخاصّ بها، ووحدتها الخاصة بها، فإذا لاحظت أن سورة الأنعام مكية، وأن سورة البقرة مدنية- أي متأخرة في النزول عنها- ثم رأيت كيف أن سورة الأنعام تفصّل فيما أجمل في سورة البقرة، أو تبني عليه، أدركت مظهرا من مظاهر الإعجاز في هذا القرآن، وأنّ كل شئ فيه يدلّك على أنّه يستحيل أن يكون بشريّ المصدر، بل هو كلام الله- عز وجل وسنرى أثناء عرض السورة مزيدا من بيان ارتباط سورة الأنعام بمحورها ومحله من سياقه، وامتدادات معانيه في سورة البقرة، ولكنّا أحببنا هنا أن نضع نقاط علّام كبرى.