الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ. أي: سافرتم فيها فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ فهذان شرطان لجواز استشهاد غير المسلمين تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ أي: توقفونهما للحلف من بعد
الصلاة، لأنه وقت اجتماع الناس فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ أي:
فيحلفان بالله إن شككتم في أمانتهما، والتقدير إن ارتبتم في شأنهما فحلّفوهما لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً. أي: لا نشتري بالله، أو بالقسم عوضا من الدنيا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى. أي: ولو كان المقسم له قريبا منّا أي: لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال، ولو كان من نقسم له ذا قربى منّا وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ. أي: الشهادة التي أمر الله بحفظها وتعظيمها إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ. أي: إن كتمنا
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً. أي: فإن اطّلع على أنّهما فعلا فعلا ما أوجب إثما واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين فَآخَرانِ. أي: فشاهدان آخران يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ. أي: من الذين جني عليهم وهم أهل الميت وعشيرته، والأوليان تثنية أولى، والمراد به الأحق بالشهادة لقرابة أو معرفة كأنه قيل ومن هما اللذان يشهدان الشهادة المعاكسة، فقيل الأوليان فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما. أي: ليميننا أحق بالقبول من يمين هذين الوصيّين الخائنين وَمَا اعْتَدَيْنا. أي: وما تجاوزنا الحقّ في يميننا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي: إن حلفنا كاذبين
ذلِكَ أي الحكم الذي مر ذكره أَدْنى أي أقرب أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أي: أن يأتي الشهداء على تلك الحادثة كما حملوها بلا خيانة فيها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ. أي: يتكرر أيمان شهود آخرين بعد أيمانهم فيفتضحوا بظهور كذبهم، فصار المعنى: ذلك أقرب أن تؤدوا الشهادة بالحق والصدق إما لله أو لخوف العار والافتضاح بردّ الأيمان وَاتَّقُوا اللَّهَ. أي: في الخيانة واليمين الكاذبة وَاسْمَعُوا. أي: سماع قبول وإجابة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ. أي: الخارجين عن الطاعة.
فوائد: [حول آيات الوصية وسبب نزولها]
1 -
قال ابن كثير: اشتملت هذه الآية الكريمة على حكم عزيز قيل إنه منسوخ رواه العوفي عن ابن عباس. وقال حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم: إنها منسوخة، وقال آخرون وهم الأكثرون- وهو الذي رجّحه ابن جرير-: بل هو محكم ومن ادعى نسخه فعليه البيان.
2 -
واختلفوا هل الاثنان شاهدان، أو وصيّان، على قولين، القول الأول:
أنهما شاهدان على الوصية، والقول الثاني أنهّما وصيّان، ومن قال إنّهما شاهدان قال:
فإن لم يكن معهما وصيّ ثالث معهما اجتمع فيهما الوصفان: الوصاية والشهادة.
واختلفوا هل المراد بالصلاة المذكورة صلاة المسلمين في حالة كون الشاهدين غير المسلمين أو صلاتهما في دينهما.
3 -
وفي سبب نزول هذه الآيات يروي الترمذي وأبو داود عن ابن عباس بإسناد حسن غريب هذه الرواية، قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداريّ وعدي بن بدّاء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم. فلمّا قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدوا الجام بمكة فقيل اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما. وأن الجام لصاحبهم، وفيهم نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية.
وقد اجتزأنا بذكر هذه الرواية لحسن سندها، وأعرضنا عن ذكر غيرها في موضوعها مع أن فيه زيادة تفصيل لعدم الاطمئنان إلى السند مع ملاحظة اشتهار أصل القصة في الصّدر الأول، وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من التابعين، وذكروا أن التحليف كان بعد صلاة العصر رواه ابن جرير، وكان تميم وصاحبه نصرانيين وقتها.
قال ابن كثير: وقد ذكروا أن إسلام تميم بن أوس الداري رضي الله عنه كان سنة تسع من الهجرة، فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخرا يحتاج مدعي نسخه إلى فاصل في هذا المقام.
4 -
وقد روى ابن جرير بإسناد صحيح عن الشعبيّ قصة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تدلّ على أنّ هذا الحكم معمول به غير منسوخ، وهذه هي القصة:
أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا (اسم بلدة معروفة أيامها ولذلك أشار إليها بقوله) هذه، قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، قال: فقدما الكوفة فأتيا الأشعري، يعني أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، فأخبراه، وقدما الكوفة بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأحلفهما