الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجموعة من الحكم العظيمة المرتبطة بسياق السورة العام، فهي من ناحية درس للنصارى الذين نقضوا عهد الله وميثاقه، ودرس للصادقين المهتدين، فإذا كان محور السورة يتحدث عما به يكون الضلال وعمّا به تكون الهداية، وإذا كانت السورة تحريرا من أسباب الضلال وتحقيقا بأسباب الهداية، فمن خلال هذا العرض لمشهد من
مشاهد يوم القيامة نعرف طريق الله، ونعرف ضلال الضالين، ونعرف طريق النجاة، وفيما سيأتي مزيد من البيان لهذه المعاني:
المعنى الحرفي:
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ الخطاب للمؤمنين أن يتذكروا أو يحذروا هذا اليوم الذي يجمع الله الرسل ويوجه لهم فيه الخطاب فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ. أي: ما الذي أجابتكم به أممكم حين دعوتموهم إلى الإيمان، وفي السؤال توبيخ لمن أنكرهم قالُوا لا عِلْمَ لَنا يحتمل أنهم قالوا ذلك تأدّبا: علمنا ساقط مع علمك سبحانك، ومغمور به فكأنه لا علم لنا، ويحتمل أن يكون المراد: لا علم لنا بإخلاص قومنا فأنت وحدك تعلم الظاهر والباطن، ويحتمل أن يكون المراد: لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا، ويحتمل أن يكون هول الموقف دعاهم إلى البراءة من علمهم، وهذا هو الذي يجمع فيه بين قولهم هذا وشهادتهم على أقوامهم. قال السدي: نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول، فلما سئلوا قالوا: لا علم لنا، ثم نزلوا منزلا آخر فشهدوا على قومهم، رواه ابن جرير إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ نفوا علمهم، ووصفوا الله بالعلم الكامل المحيط بكل شئ. ومن ذلك الغيوب كلها
إِذْ قالَ اللَّهُ. أي: في ذلك اليوم الذي يجمع فيه الرسل يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ حيث طهرتها واصطفيتها على نساء العالمين إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ. أي: إذ قوّيتك بجبريل عليه السلام، أيّد به لتثبت الحجة عليهم، ويحتمل أن يكون المراد بروح القدس الكلام الذي يحيا به الدّين وأضافه إلى القدس لأنه سبب الطهر من أوضار الآثام، فالقدس الطهر تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ. أي: تكلّم الناس طفلا إعجازا وَكَهْلًا. أي: وكبيرا تبلّغ النّاس دعوة الله وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ فسّرها بعضهم بالكتابة والخط، وتحتمل مطلق الكتاب أي جنسه، وتحتمل ما أطلعه الله عليه من غيوب اللوح المحفوظ وتحتمل ما افترضه الله على عباده وَالْحِكْمَةَ. أي: الكلام المحكم الصّواب، الموافق لمقتضى الحال، والمناسب للمقام وَالتَّوْراةَ كتاب موسى عليه السلام وَالْإِنْجِيلَ كتابه
الذي أوحاه الله إليه وَإِذْ تَخْلُقُ معطوف على ما أمر أن يتذكره من نعم الله، وتخلق بمعنى تقدّر مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ. أي: تصنع من الطين هيئة مثل هيئة الطير بِإِذْنِي. أي: بتسهيلي فَتَنْفُخُ فِيها. أي: في الهيئة التي كان يقدّرها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي. وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ. أي الذي خلق أعمى وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى. أي: من القبور أحياء بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ. أي: حين همّوا بقتله، أي اليهود إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ.
أي: المعجزات الواضحات فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وصفوا المعجزة بالسّحر، والرسول بالساحر
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ. أي:
وإذ ألهمت الحواريين. والحواريون: هم الخواص أو الأصفياء أَنْ آمِنُوا. أي:
آمنوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ. أي: اشهد بأننا مخلصون لله في إسلامنا وجوهنا إليه
إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ. أي: هل يفعل أو هل يطيعك ربك إن سألته؟ والعرب تستعمل استطاع وأطاع بمعنى واحد أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ المائدة هي الخوان إذا كان عليه الطعام قالَ اتَّقُوا اللَّهَ. أي: في اقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إذ الإيمان يوجب التقوى
قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها. أي: تبركا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا. أي: وتزداد يقينا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا. أي: نعلم صدقك عيانا كما علمناه استدلالا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ. أي: نشهد بما عاينّا لمن بعدنا، ولمّا كان السؤال لزيادة العلم لا للتعنّت
قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا. أي: يكون يوم نزولها عيدا لمن في زماننا من أهل ديننا ولمن يأتي بعدنا، أو للمتقدمين منا والأتباع وَآيَةً مِنْكَ. أي: على صحة نبوتي وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. أي:
وأعطنا ما سألناك وأنت خير المعطين
قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ وعدهم الإنزال، وشرط عليهم في حالة الإنزال شرطا، هذا الشرط هو أنّ من يكفر بعد إنزالها فإنّ الله يعذبه تعذيبا لا يعذبه أحدا من عالمي زمانهم، فهل قبلوا الشرط وأنزل الله المائدة، أو أنّهم تركوا السؤال بعد سماعهم هذا الشرط؟ قولان للمفسرين، وسيأتي في الفوائد
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ الجمهور على أنّ هذا السؤال يكون في يوم القيامة قالَ سُبْحانَكَ. أي: أنزهك من أن يكون لك