الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ. أي: أن تتحمّل أو ترجع بِإِثْمِي.
أي: بإثم قتلي إذا قتلتني. وَإِثْمِكَ الذي لأجله لم يتقبل قربانك وهو عقوق الأب والحسد والحقد. فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ. أي:
النار جزاؤهم.
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ. أي: فحسّنته له وسوّلته له وشجّعته فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ بسفكه الدم الحرام، وتذكّرنا كلمة الخاسرين هنا بالسياق القرآني العام إذ تنتهي آيتا البقرة اللتان هما محور سورة المائدة بلفظ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ* دلّ ذلك على أنّ ما فعله قابيل هو ذروة الضّلال إذ هو نقض ميثاق، وقطع رحم، وإفساد في الأرض، ومن ثمّ كان من الخاسرين
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ. أي: الله أو الغراب. كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ. أي: عورته وما لا يجوز أن ينكشف من جسده. قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي. أي: بدفنه. فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ على عجزه أو على قتله، وإذا كان ندمه على قتله- والنّدم في شريعتنا توبة- فهل يعني هذا أنّ النّدم لم يكن توبة يومها؟ أو أنه توبة ولكن الله لم يقبل توبته لفظيع جنايته وسنّته هذه الجريمة؟ كل يحتمله المعنى.
فوائد: [حول قصة ابني آدم وآثار حولها، ومسألة في الدفاع عن النفس]
1 -
يذكر المفسرون كلاما كثيرا حول هذه القصة وحيثياتها ولم نجد في العهد القديم والجديد ما نذكره حول السّبب الذي من أجله كان القربان ولكن ابن كثير ينقل بإسناد جيد عن ابن عباس كلاما نذكره للاستئناس إذ ليس عندنا نص عن رسولنا عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن، وهذه رواية ابن عباس كما يرويها سعيد بن جبير. «قال نهى (أي آدم) أن تنكح المرأة أخاها توأمها. وأمر أن ينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد في كل بطن رجل وامرأة، فبينما هم كذلك إذ ولد له امرأة وضيئة، وولد له أخرى قبيحة دميمة، فقال أخو الدميمة: أنكحني أختك، وأنكحك أختي. فقال:
لا أنا أحق بأختي، فقرّبا قربانا فتقبّل من صاحب الكبش ولم يتقبّل من صاحب الزرع فقتله» وقال عبد الله بن عمرو: وايم الله إن كان لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرّج يعني الورع.
2 -
بمناسبة ذكر هذه القضية يثير الفقهاء مسألة، وهي: ما حكم دفاع الإنسان
عن نفسه؟. فبعض الفقهاء يرى أن دفاع الإنسان عن نفسه واجب. وبناء عليه، فإنهم يعلّلون عدم دفع هابيل عن نفسه، إما لأنّ الدّفع لم يكن مباحا، أو أن قابيل قتله غدرا.
3 -
بمناسبة هذه القصة إليك هذه الأحاديث التي لها صلة بموضوعها:
أ- قال ابن كثير: وقد ورد في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدّخر لصاحبه في الآخرة من البغي
وقطيعة الرحم» وقد اجتمع في فعل قابيل هذا وهذا.
ب- روى عبد الرزاق عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ابني آدم عليه السلام ضربا لهذه الأمّة مثلا فخذوه بالخير منهما» .
ج- في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه» .
د- قال الإمام أحمد إنّ سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من السّاعي». قال: أفرأيت إن دخل عليّ بيتي فبسط يده إليّ ليقتلني؟
فقال «كن كابن آدم» .
هـ- قال الإمام أحمد: إنّ أبا ذر قال: ركب النبيّ صلى الله عليه وسلم حمارا وأردفني خلفه وقال:
يا أبا ذر أرأيت إن أصاب النّاس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال «تعفّف» . قال: «يا أبا ذر أرأيت إن أصاب النّاس موت شديد يكون البيت فيه (يعني القبر) بالعبد كيف تصنع؟» قلت الله ورسوله أعلم. قال: «اصبر» . قال: «يا أبا ذر أرأيت إن قتل النّاس بعضهم بعضا، حتى تغرق حجارة الزيت (موضع كان بالمدينة) من الدّماء كيف تصنع؟» قلت، الله ورسوله أعلم. قال:«اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك» . قال: فإن لم أترك؟ قال: «فأت من أنت منهم فكن منهم» . قال: فآخذ سلاحي؟ قال: «فإذا تشاركهم فيما هم فيه ولكن إذا خشيت أن يروعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك» رواه مسلم.
و- أخرج ابن مردويه: عن منصور عن ربعيّ قال: كنّا في جنازة حذيفة فسمعت رجلا يقول. سمعت هذا يقول في ناس مما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن اقتتلتم لأنظرنّ إلى أقصى بيت في داري فلألجنّه، فلئن دخل عليّ فلان، لأقولن: ها، بؤ بإثمي وإثمك فأكون كخير ابني آدم» . وقال أيوب السختياني: إنّ أول من أخذ بهذه الآية من الأمّة لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ لعثمان بن عفّان رضي الله عنه. رواه ابن أبي حاتم.
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أي: بسبب القتل المذكور. كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ خصّهم بالذكر وإن كان حكما مشتركا في كل شريعة أنزلها الله لأن التوراة أول كتاب سماوي نصّ عليه. أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ. أي: من قتل نفسا بغير قتل نفس. أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ. أي: أو بغير فساد في الأرض كالشرك، وقطع الطريق، وكل فساد يوجب القتل. فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً. أي: في الذنب لأن الاعتداء على نفس. اعتداء على النّفوس كلها. وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً. أي: ومن استنقذها من أسباب الهلكة، من قتل، أو غرق، أو هدم، أو غير ذلك فكأنّما أحيا النّاس، جعل قتل الواحد كقتل الجميع، وكذلك الإحياء، ترغيبا وترهيبا، لأنّ المتعرض لقتل النفس إذا تصوّر أنّ قتلها كقتل النّاس جميعا. عظم ذلك عليه فثبّطه، وكذا الذي أراد إحياءها، إذا تصوّر أنّ حكم إحياء نفس، حكم إحياء جميع الناس رغب في إحيائها قال قتادة: عظيم والله وزرها، عظيم والله أجرها.
وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ أي: بني إسرائيل رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ أي: بالآيات الواضحات ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ أي: بعد مجئ الرسل بالآيات فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ أي: لمتجاوزون الحدّ، ومن ذلك القتل، لا يبالون بفظاعته؛ حتى إنهم قتلوا الأنبياء. وبعد أن قرّر الله شناعة القتل إلّا في حالتين: حالة القصاص، وحالة الإفساد في الأرض. قرّر في الآية التالية: أنّ الذين يحاربون الله ورسوله، ويفسدون في الأرض، يستحقون القتل فقال.
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ بمحاربة دينه، وكتابه، وشريعته، وأوليائه. وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً. أي:
ويسعون في الأرض مفسدين، بالصدّ عن دين الله، والسير في مسالك الشياطين.
أَنْ يُقَتَّلُوا دون صلب وقطع. أَوْ يُصَلَّبُوا مع القتل. أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ. أي: مختلفة اليد اليمين مع الرجل اليسرى. أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. أي: أن يحبسوا ذلِكَ. أي: المذكور من العقوبات. لَهُمْ