الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الزموا إصلاح أنفسكم أي: عليكم أنفسكم وما كلّفتم من إصلاحها لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. أي: لا يضرّكم الضلّال عن دينكم إذا كنتم مهتدين وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن تركهما مع القدرة عليهما لا يجوز إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. أي: المهتدون والضالون راجعون إلى الله، وهو سيخبر الجميع بأعمالهم، ويحاسبهم عليها، ثم يجزي الجميع على أعمالهم.
فائدة: [الفهم الصحيح لقوله تعالى
…
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ
.. ]
من المهم جدا أن نعرف فهم السلف رضي الله عنهم لهذه الآية، فإنّ فهمهم لها عاصم من الغلو والخطأ: روى الإمام أحمد رحمه الله
…
أنّ أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أيّها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إنّ الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله- عز وجل أن يعمّهم بعقابه» ، وقال أبو بكر: يا أيها الناس إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب الإيمان. وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه. وروى أبو عيسى الترمذي
…
عن أبي أمية الشعباني قال:
أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيّة آية، قلت:
قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإنّ من ورائكم أياما، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم» وزاد بعضهم: قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال:«بل أجر خمسين منكم» . ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح.
وقال عبد الرزاق
…
أن ابن مسعود رضي الله عنه سأله رجل عن قول الله تعالى:
عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فقال: إن هذا ليس بزمانها، إنّها اليوم مقبولة: ولكنّه قد يوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا، أو قال: فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ.
وروى أبو جعفر الرازي،
…
عن ابن مسعود في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ الآية. قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسا، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كلّ واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله يقول: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الآية. قال: فسمعهما ابن مسعود فقال: مه، لم يجئ تأويل هذه بعد، إنّ القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن اليوم، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب ما ذكر من حساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعا، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء. وألبستم شيعا، أو ذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، وعند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية.
وروى ابن جرير
…
عن سفيان بن عقال، قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه، فإن الله قال: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ألا فليبلّغ الشاهد الغائب» فكنا نحن الشهود، وأنتم الغيّب، ولكنّ هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم.
وروى ابن جرير أيضا
…
عن سوار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر إذ أتاه رجل جليد في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نفر ستة، كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلهم مجتهد لا يألوا، وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة إلّا الخير، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك، فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك، فقال الرجل: إني لست إياك
أسأل، وإنما أسأل الشيخ، فأعاد على عبد الله الحديث فقال عبد الله: لعلك ترى لا أبا لك أني سآمرك أن تذهب فتقتلهم، عظهم وانههم، وإن عصوك فعليك نفسك، فإنّ الله- عز وجل يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الآية.
وروى أيضا .. عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قوم من المسلمين جلوس. فقرأ أحدهم هذه الآية عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ فقال أكثرهم: لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم. وروى أيضا
…
عن جبير بن نفير قال:
كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ؟ فأقبلوا عليّ بلسان واحد وقالوا: تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها!! فتمنّيت أنّي لم أكن تكلّمت، وأقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حدث السن، وإنك نزعت آية ولا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان: إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك لا يضرّك من ضل إذا اهتديت. وروي أيضا
…
أنّ الحسن تلا هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فقال الحسن: الحمد لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله.
وروي أيضا أن سعيد بن المسيّب قال: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فلا يضرّك من ضل إذا اهتديت. وكذا قال غير واحد من السلف. والذي نقوله تعليقا على هذا كله:
1 -
أن الجماعة المسلمة متكاتفة متضامنة، ومن مظاهر تكاتفها: تواصيها بالحق والصبر، وأمرها لبعضها بالمعروف، وتناهيها عن المنكر، فإذا حققت هذا لا يضرها من ضلّ إذا اهتدت، ولكنها إذا تركت التواصي بالحق والصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تكون مهتدية.
2 -
إن من الهداية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، فمن لم يفعل هذا يكون قد ترك من الهدى، فالآية لا تفيد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الأمر بالمعروف جزء من الهداية.
ولكن قال الفقهاء إذا ترجح لديك عدم فائدة الأمر بالمعروف، فلا يجب عليك