الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحيثية بالمحور العام للسورة من حيث تعميق وصل ما أمر الله به أن يوصل. وهو ولاء أهل الإيمان ونفي عكسه. وفي هذا المقطع رأينا أسبابا للضلال كالأسباب التي لعنت بها بنو إسرائيل، وأسبابا للهداية. من مثل صفات النصارى المستجيبين للحق، وهذا كذلك مرتبط بمحور السورة، من حيث إنّه بيان لأسباب الضلال وأسباب الهداية، وفي المقطع ذكر للمواثيق التي أخذت على بني إسرائيل، وموقفهم من ذلك مما استحقوا، به ما استحقوه وفي هذا كذلك ارتباط للمقطع بمحور السورة، فالسّورة كما نرى تسير على منحيين، المنحى الأول: تعميق أسباب الهداية بكتاب الله، والمنحى الثاني: تبيان أسباب الضلال بطريقة من العرض معجزة، قد لا نكون أحسنا في عرضها، لكنّا نرجو أن نكون أفلحنا بالإشارة إليها، فإذا ما وصلت السورة إلى ما وصلت إليه تأتي الآن أوامر متعددة، وتوجيهات متعدّدة، تحوي في آياتها موضوعات متعددة، كلها تصب في السياق العام للسورة ضمن محورها. هذه الأوامر والتوجيهات والنّواهي تشكل المقطع الثاني من القسم الثالث وهو المقطع السابع في السّورة ولا يبقى بعده من السّورة إلا خاتمتها.
فصول ونقول:
- وقعت طائفتان من طوائف المسلمين في غلط في الفهم لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ الطائفة الأولى:
بعض الصوفية، والطائفة الثانية: بعض الشيعة، أما الصوفية: فقد ذهب بعضهم إلى أن ما كلّف به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التبليغ لبعض المعانى، وهناك معان أخرى مما يصلون إليه بأذواقهم لم تدخل بالتبليغ، وأمّا بعض الطوائف من الشيعة فقد ذهبوا إلى أن الآية نزلت في موضوع تبليغ استحقاق عليّ للخلافة، وأن الرّسول صلى الله عليه وسلم قام بذلك يوم غدير خمّ وقد ناقش الألوسي كلّا من هؤلاء وهؤلاء، ونحن ننقل بعض كلامه هنا ومن أراد أن يقرأ كلامه كاملا فليراجع تفسيره:
قال في الردّ على بعض المتصوفة: «والتحقيق عندي أن جميع ما عند النبي صلى الله عليه وسلم من الأسرار الإلهية وغيرها من الأحكام الشرعية قد اشتمل عليه القرآن المنزّل، فقد قال سبحانه: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وقال تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي. وغيره: «ستكون فتن، قيل: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله تعالى فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم» ، وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: أنزل في هذا
القرآن كل علم، وبيّن لنا فيه كل شئ، ولكن علمنا يقصر عما بيّن لنا في القرآن» وقال الشافعي رضي الله عنه: جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن» ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أحل إلا ما أحل الله تعالى في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله تعالى في كتابه» وقال المرسي: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين، بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم به، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر به سبحانه، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة. ومثل ابن مسعود. وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم. وفترت العزائم.
وتضاءل أهل العلم. وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه، وسائر فنونه، فنوّعوا علومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه. وقال بعضهم: ما من شئ إلا يمكن استخراجه من القرآن، لمن فهّمه الله تعالى حتى إن البعض استنبط عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة من قوله سبحانه في سورة المنافقين: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها فإنها رأس ثلاث وستين سورة، وعقّبها- بالتغابن- ليظهر التغابن في فقده، غاية ما في الباب أن التوقيف على تفصيل ذلك سرا سرا وحكما حكما لم يثبت بصريح العبارة لكل أحد، وكم من سر وحكم نبهت عليهما إشارة ولم تبينهما العبارة، ومن زعم أن هناك أسرارا خارجة عن كتاب الله تلقاها الصوفية من ربهم بأي وجه كان، فقد أعظم الفرية، وجاء بالضلال ابن السبهلل بلا مرية.
وقول بعضهم: أخذتم علمكم ميتا عن ميت، ونحن أخذناه عن الحي الذي لا يموت، لا يدل على ذلك الزعم، لجواز أن يكون ذلك الأخذ من القرآن بواسطة فهم قدسي أعطاه الله تعالى لذلك الآخذ، ويؤيد هذا ما صح عن أبي جحيفة، قال: قلت لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه هل عندكم كتاب خصّكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:
لا إلا كتاب الله تعالى، أو فهم أعطيه رجل مسلم. أو ما في هذه الصحيفة- وكانت متعلقة بقبضة سيفه- قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل. وفكاك الأسير.
ولا يقتل مسلم بكافر.
ويفهم منه- كما قال القسطلاني- جواز استخراج العالم من القرآن بفهمه ما لم يكن منقولا عن المفسرين إذا وافق أصول الشريعة، وما عند الصوفية- كله من هذا
القبيل إلا أن بعض كلماتهم مخالف ظاهرها لما جاءت به الشريعة الغراء، لكنها مبنية على اصطلاحات فيما بينهم إذا علم المراد منها يرتفع الغبار، وكونهم ملامين على تلك الاصطلاحات لقول علي كرم الله وجهه- كما في صحيح البخاري-: حدّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أو غير ملامين لوجود داع لهم إلى ذلك على ما يقتضيه حسن الظن بهم بحث آخر لسنا بصدده.
وقريب من خبر أبي جحيفة ما أخرجه ابن حاتم عن عنترة، قال: كنت عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فجاءه رجل، فقال: إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس، فقال: ألم تعلم أن الله تعالى قال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ؟ والله ما ورّثنا رسول الله سوداء في بيضاء» وحمل- وعاء أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي لم يبثّه على علم الأسرار- غير متعين لجواز أن يكون المراد منه أخبار الفتن. وأشراط الساعة. وما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من فساد الدين على أيدي أغيلمة من سفهاء قريش، وقد كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: لو شئت أن أسميهم بأسمائهم لفعلت، أو المراد الأحاديث التي فيها تعيين أسماء أمراء الجور وأحوالهم وذمهم، وقد كان رضي الله تعالى عنه يكنى عن بعض ذلك ولا يصرّح خوفا على نفسه منهم بقوله: أعوذ بالله سبحانه من رأس الستين وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد الطريد لعنه الله تعالى على رغم أنف أوليائه لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله تعالى دعاء أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فمات قبلها بسنة، وأيضا قال القسطلاني: لو كان كذلك لما وسع أبا هريرة كتمانه مع ما أخرج عنه البخاري أنه قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة الحديث، ولولا آيتان في كتاب الله تعالى ما حدثت حديثا ثم يتلو إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى إلى قوله تعالى: الرَّحِيمُ إلى آخر ما قال فإن ما تلاه دال على ذم كتمان العلم لا سيما العلم الذي يسمونه علم الأسرار؛ فإن الكثير منهم يدعي أنه لب ثمرة العلم، وأيضا إن أبا هريرة نفى بث ذلك الوعاء على العموم من غير تخصيص، فكيف يستدل به لذلك وأبو هريرة لم يكشف مستوره فيما أعلم؟ فمن أين علم أن الذي علمه هو هذا؟! ومن ادّعى فعليه البيان، ودونه قطع الأعناق.
فالاستدلال بالخبر لطريق القوم فيه ما فيه، لا يسلم لأحد كائنا من كان أن ما هم عليه مما خلا عنه كتاب الله تعالى الجليل أنه أمر وراء الشريعة، ومن برهن على ذلك بزعمه فقد ضل ضلالا بعيدا، فقد قال الشعراني قدّس سرّه في الأجوبة المرضية عن
الفقهاء والصوفية: سمعت سيدي عليا المرصفي يقول: لا يكمل الرجل في مقام المعرفة والعلم حتى يرى الحقيقة مؤيدة للشريعة، وأن التصوف ليس بأمر زائد على السنة وإنما هو عينها. وسمعت سيدي عليا الخواص يقول مرارا: من ظن أن الحقيقة تخالف الشريعة أو عكسه فقد جهل، لأنه ليس عند المحققين شريعة تخالف حقيقة أبدا، حتى قالوا: شريعة بلا حقيقة عاطلة، وحقيقة بلا شريعة باطلة، خلاف ما عليه القاصرون من الفقهاء والفقراء، وقد يستند من زعم المخالفة بين الحقيقة والشريعة إلى قصة الخضر مع موسى عليهما السلام، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك على وجه لا يستطيع المخالف معه على فتح شفة.
ومما قاله الألوسي في عرضه لرأي بعض الشيعة في الآية ومناقشته لهم:
«وزعمت الشيعة أن المراد ب ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ خلافة علي كرم الله تعالى وجهه، فقد رووا بأسانيدهم عن أبي جعفر. وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستخلف عليا كرم الله تعالى وجهه، فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له عليه الصلاة والسلام بما أمره بأدائه. «وخبر الغدير عمدة أدلتهم على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه، وقد زادوا فيه إتماما لغرضهم زيادات منكرة. ووضعوا في خلاله كلمات مزورة، ونظموا في ذلك الأشعار. وطعنوا على الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بزعمهم أنهم خالفوا نص النبي المختار صلى الله عليه وسلم.
«وأنت تعلم أنّ أخبار الغدير التي فيها الأمر بالاستخلاف غير صحيحة عند أهل السنة ولا مسلّمة لديهم أصلا، ولنبين ما وقع هناك أتم تبيين، لنوضّح الغثّ منه والسمين.
«فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في مكان بين مكة والمدينة، عند مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة يقال له: غدير خم، فبيّن فيها فضل علي كرم الله وجهه وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخلا، والحق مع علي كرم الله وجهه في ذلك، وكانت يوم الأحد ثامن عشر ذي الحجة تحت شجرة هناك. فروى محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله عن يزيد بن طلحة قال: لما أقبل علي كرم الله تعالى وجهه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده
الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل حلة من البز الذي كان مع علي كرم الله وجهه، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك انتزع قبل أن ننتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فانتزع الحلل من الناس فردها في البز، وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.
وأخرج عن زينب بنت كعب- وكانت عند أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس عليا كرم الله تعالى وجهه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا عليا فو الله إنه لأخشن في ذات الله تعالى- أو في سبيل الله تعالى-، ورواه الإمام أحمد، وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن بريدة الأسلمي قال:
غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليا كرم الله تعالى وجهه، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تغير، فقال رسول الله: بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وكذا رواه النسائي بإسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات، وروي بإسناد آخر تفرد به، وقال الذهبي: إنه صحيح عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فغممن، ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، الله تعالى مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي كرم الله تعالى وجهه، فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بأذنيه.
وروى ابن جرير عن علي بن زيد وأبي هارون العبيدي وموسى بن عثمان عن البراء قال: كنا مع رسول الله في حجة الوداع، فلما أتينا على غدير خم، كسح لرسول الله تحت شجرتين، ونودي في الناس الصلاة جامعة، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله تعالى وجهه، وأخذ بيده وأقامه عن يمينه، فقال: أولست أولى بكل امرئ من نفسه؟
قالوا: بلى، قال: فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فلقيه عمر بن الخطاب فقال رضي الله تعالى عنه: هنيئا لك أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة- وهذا ضعيف- فقد نصوا أن علي بن زيد. وأبا هارون وموسى ضعفاء لا يعتمد على روايتهم، وفي السند أيضا- أبو إسحاق وهو شيعي مردود الرواية.
وروى ضمرة بإسناده عن أبي هريرة قال: لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يد علي كرم الله وجهه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ثم قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، ومن صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب الله تعالى له صيام ستين شهرا، وهو حديث منكر جدا، ونص في البداية والنهاية على أنه موضوع. وقد اعتنى بحديث الغدير أبو جعفر بن جرير الطبري، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما سائر طرقه وألفاظه، وساق الغثّ والسمين، والصحيح والسقيم على ما جرت به عادة كثير من المحدثين، فإنهم يوردون ما وقع لهم في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم
ابن عساكر، أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة والمعول عليه فيها ما أشرنا إليه، ونحوه مما ليس فيه خبر الاستخلاف كما يزعمه الشيعة. وعن الذهبي أن من كنت مولاه فعلي مولاه متواتر يتيقن أن رسول الله قاله، وأما اللهم وال من والاه، فزيادة قوية الإسناد، وأما صيام ثماني عشرة ذي الحجة فليس بصحيح- ولا والله ما نزلت تلك الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام.
والشيخان لم يرويا خبر الغدير في صحيحيهما لعدم وجدانهما له على شرطهما، وزعمت الشيعة أن ذلك لقصور وعصبية فيهما وحاشاهما من ذلك».
أقول: موضوع المفاضلة بين الخلفاء الرّاشدين، أو موضوع كون الخلافة محصورة بعلي رضي الله عنه وبأبنائه قضيتان أدخلهما علماء الشيعة في مباحثهم الأصولية وسيبقى أهل السنة والجماعة مستمرين على تحقيقهم وهو الحق، وسيبقى الشيعة مستمرين على تحقيقهم، ونحن نطالب كل الناس بالإنصاف وقبول التحقيق العلميّ النّزيه، ونطالب في الوقت نفسه ألا يكون لموضوع تاريخي غير عمليّ في مرحلتنا الحاضرة تأثيره على وحدة المسلمين لصالح أعدائهم عامّة.
والذي أراه للمستقبل في موضوع الخلافة أن تعطى الحرية لكل اتجاه إسلامي، في تأسيس حزب له على أساس آرائه في هذا الموضوع، وأن يقدّم كل حزب مرشحه للأمة ضمن القواعد المتفق عليها، والأمّة هي التي تختار، ومن اختارته فعلى الجميع أن يبايعوه، وأن يلتزموا بطاعته، مع استمرارهم في الدعوة إلى مرشحهم، أو إلى غيره لمرحلة لاحقة، على حسب اللوائح الدستورية المنبثقة عن الشورى، على ضوء الكتاب والسنة.