الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ .... وفيما بين ذلك حديث عن مظاهر العلم والقهر والحكمة:
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ....
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ
…
فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ....
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
…
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ
ومن خلال ذلك نرى وحدة الجولة.
والجولة تعرض مواقف للكافرين، وترد عليها، وتقصّ علينا اقتراحات الكافرين المتعنة، وتناقشهم فيها، وتأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول كلاما محددا؛ ولذلك يتكرّر فيها الأمر «قل» ومن ثمّ فهي استمرار للمقطع الأول؛ ففيها منه شبه، وذلك مظهر من مظاهر وحدة سياق السّورة.
والجولة مع هذا كله تفصّل في محور السورة من سورة البقرة، ويكفي أن تقارن آخر آية فيها: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. يكفي أن تقارن هذه الآية بقوله تعالى في المحور: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
حتى تدرك الصلة بين الجولة وبين محور سورة الأنعام من سورة البقرة.
وإذ تقرّرت وحدة الجولة ومحلها في سياق السورة ومحلها بالنسبة للسياق القرآني العام فلننتقل إلى عرض معانيها العامة.
المعنى العام:
يقرّر الله تعالى في بداية هذه الجولة أنّه هو القاهر فوق عباده، فهو الذي خضعت له الرّقاب، وذلّت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شئ، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوّه وقدرته الأشياء؛ فاستكانت وتضاءلت بين يديه، وتحت قهره وحكمه، فلا تنفذ مشيئة إلا بمشيئته، ولا يكون إلا
ما أراد، ثم يقرّر أنّه الحكيم في أفعاله، الخبير بمواضع الأشياء ومحالها؛ فلا يعطي إلا عن علم، ولا يمنع إلا عن علم، وبعد أن قرّر الله- عز وجل قهره وحكمته وعلمه- وآثار هذه الصفات مرئية معلومة، فمن لم يشاهد من خلالها خالقها فإنّه يكون عديم الإدراك- بعد هذا التقرير يأمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يسأل الكافرين عن أعظم الأشياء شهادة، ثم يأمره أن يجيب: أن الله هو أعظم الأشياء شهادة، وأن الله الأعظم شهادة هو يشهد على رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم وما يقال له وما يردّ عليه، وشهادة الله لرسوله قائمة في المعجزات التي أظهرها على يده، وأعظمها هذا القرآن الذي يدلّ دلالة لا تقبل شكا على أنه من عند الله؛ بما فيه من إعجاز؛ وبما فيه من معجزات؛ لذلك قال بعد ذلك وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. أي:
والقرآن نذير لكل من بلغه، وفيه الشهادة على أن محمدا رسول الله، بحكم كونه معجزة لا تكون إلا من عنده سبحانه، ثمّ أمر الله رسوله أن يسألهم وأن يجيب ملقّنا إياه الحجّة، أمره أن يسألهم عما إذا كانوا يشهدون أن مع الله آلهة أخرى، ثم أمره أن يقول بأنه لا يشهد شهادتهم بعد أن أفهمهم أن شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي شهادة الله بكتابه، ثم أمره أن يعلن ويقرر وحدانية الله، وأن يعلن براءته من شركهم، وإذ أخبر تعالى عما نعرف به صدق رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم ذكر عن
أهل الكتاب أنهم يعرفون هذا الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يعرفون أبناءهم؛ بما عندهم من الأخبار، والأنباء عن المرسلين المتقدمين، والأنبياء؛ فإن الرسل بشروا بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، وصفته، وبلده، ومهاجره، وصفة أمته، فما أوضح استحقاق الكافرين لخسارة أنفسهم يوم القيامة بعدم إيمانهم بهذا الأمر الجليّ الظاهر الذي بشّرت به الأنبياء، ونوّهت به في قديم الزمان وحديثه، وفي هذا السياق قرّر تعالى أنّه لا أظلم ممّن تقوّل على الله؛ فادّعى أنّ الله أرسله، ولم يكن أرسله، ثمّ لا أظلم ممّن كذّب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته، وأن الظالمين من هؤلاء، وهؤلاء من المفترين والمكذبين لا يفلحون، وإذ كان رسوله صلى الله عليه وسلم من المفلحين، ومن كذّبه لا يفلح، فذلك علامة من أعلام رسالته، وإذا عاقب الله من لم يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم، فذلك أثر من آثار قهره، الذي صدّرت بالكلام عنه هذه الجولة، وبهذه المعاني التي قرّرت قهر الله وحكمته وعلمه، وأنّه الأعظم شهادة، وأنّه منزل القرآن، وأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم رسوله، وأنّ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا يرقى إليها شك، من حيث أدلتها، أو من حيث شهرتها عند أهل الكتاب، والظلم الأكبر ظلم من لا يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد تقرير هذه المعاني ينقلنا الله تعالى إلى
مشهد من مشاهد يوم القيامة، إذ يحشر الكافرين والمشركين فيسألهم عن معبوداتهم الباطلة التي كانوا يعبدونها من دونه، ويعطونها صفات الألوهية وخصائصها وحقوقها، فما تكون حجتهم ومعذرتهم إلا أن يقسموا أنهم ما كانوا مشركين، كذبوا على الله في الدنيا، ويكذبون على الله في الآخرة، وفي كل من الحالين فإنهم لا يكذبون إلا على أنفسهم وإذ كان كذبهم كله- سواء في ذلك كذبهم على الله في الإشراك به في الدنيا، إلى كذبهم في الآخرة- لا قيمة له ولا نفع فيه فليلاقوا عاقبة هذا الكذب .. وهذا مظهر من مظاهر قهره الذي بدأ بذكره المقطع، أن يحشر الكافرين والمشركين إليه يوم القيامة ويجازيهم، ثمّ بيّن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنّ من المشركين من يجئ ليسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يستفيدون شيئا؛ لأن الله جعل على قلوبهم أغطية فلا يفقهون القرآن، وجعل في آذانهم صمما عن السماع النافع لهم، وذلك عقوبة لهم بما اجترحوه، وما اتصفوا به، وعقوبتهم أثر من آثار قهره كذلك، ثمّ إنّهم مهما رأوا من الآيات، والدّلالات، والحجج البينات، والبراهين، فإنهم لا يؤمنون بها؛ إذ لا فهم عندهم، ولا إنصاف، وعند المحاجّة والمناظرة يزعمون أنّ هذا القرآن مأخوذ من كتب الأوائل، ومنقول عنهم، يقولون هذا وهم لا يفهمون هذا القرآن ولا يعقلونه، ثم يزيدون في عتوّهم إذ ينهون الناس عن اتّباع الحق، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، والانقياد للقرآن، ويبتعدون هم عنه؛ فيجمعون بين الفعلين القبيحين، لا ينتفعون ولا يدعون أحدا ينتفع، وهم بهذا الصنيع لا يهلكون إلا أنفسهم، ولا يعود وبال ذلك إلا عليهم، وهم لا يشعرون، وبعد عرض حالهم هذا، يعرض الله مشهدا من مشاهد يوم القيامة، وموقفا لهؤلاء المشركين الكافرين هناك، في مقابل موقفهم هذا، ومن ثم يذكر الله حالهم إذا وقفوا يوم القيامة على النار، وشاهدوا ما فيها من السلاسل والأغلال، ورأوا بأعينهم تلك الأمور العظام والأهوال، فعند ذلك يتمنّون أن يردّوا إلى الدار الدنيا؛ ليعملوا عملا صالحا، ولا يكذّبوا بآيات ربهم، ويكونوا من المؤمنين؛ عندئذ يظهر ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر، والتكذيب، والمعاندة، وقد بيّن الله تعالى في هذا المقام أنهّم ما طلبوا العودة إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان، بل خوفا من العذاب الذي عاينوه؛ جزاء على ما كانوا عليه من الكفر، فسألوا الرجعة إلى الدنيا؛ ليتخلصوا مما شاهدوا من النار. ولو أن الله ردّهم إلى الدار الدنيا، لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والمخالفة. فهم كذبة في زعمهم أنهم لو عادوا إلى الدنيا لعملوا صالحا، بل لو أنهم أعيدوا لعادوا إلى كفرهم ولقولهم: أن لا حياة إلا الدنيا، وأنه لا معاد ولا بعث، وكما
يوقفون على النار فإنهم يوقفون بين يدي الله ليسألهم أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون، عندئذ يقرون مقسمين بالله إنّه حق، ولكن أنى ينفعهم ذلك؟ فليس لهم إلّا العذاب يذوقون مسّه؛ بكفرهم بربهم وبالبعث وبالرّسل، وفي هذا السياق يقرّر الله خسارة من كذّب بلقائه، وخيبته إذا جاءته الساعة بغتة، ندامته على ما فرّط من العمل، وما أسلف من قبيح الفعل، حيث يقودهم عملهم إلى النار، ثم قرّر الله- عز وجل حقيقة الحياة الدنيا، وأنهّا ليست إلا لهوا ولعبا.
وأنّ الدار الآخرة هي الدار، وهي الأحسن لأهل التقوى والإيمان، وفي هذا المقام يسلي الله نبيّه صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه له، ومخالفتهم إياه، بتذكيره أن الله محيط علما بتكذيبهم، وبحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأسفه عليهم، مبيّنا لرسوله صلى الله عليه وسلم أنّ تصديقهم مستمر له في الحقيقة، فهم لا يتهمونه بالكذب في نفس الأمر؛ ولكن الظالمين يعاندون الحق، ويدفعونه بصدورهم. ثمّ بيّن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنّه إن يكذّب فقد كذّبت رسل من قبله، وكان منهم الصبر على التكذيب والأذى، وكان لهم النصر في العاقبة، وتلك سنة الله، وقد عرّف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأخبارهم كيف نصروا، وأيدوا على من كذّبهم من قومهم، ليكون له فيهم أسوة، وبهم قدوة، ثمّ أدّب الله رسوله صلى الله عليه وسلم ليزداد صبرا، بأنّه إن شقّ عليه الإعراض فليأتهم بآية، بدخوله سربا في الأرض، أو بصعوده سلّما في السّماء، وما هو بفاعل إلا بإذن الله. فليصبر، ثمّ بيّن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه لو شاء أن يهدي الناس لهداهم ولكن له حكمة في ذلك، فلا يتصوّر معها هداية الخلق جميعا إلا جاهل، ثمّ بيّن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنّ الذي يستجيب لدعوته هو من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه، أما موتى القلوب من الكفار، فلا سماع لهم، ولا استجابة منهم، وسيرون مغبّة أمرهم، إذ يبعثون ويرجعون إلى الله، وهكذا نرى من خلال ما مرّ عرضا لأحوال الكافرين، ومظاهر من قهر الله لهم في الآخرة، وهو المعنى الذي بدأ به المقطع. وكما قصّ الله علينا في المقطع الأول اقتراحا من اقتراحاتهم وردّ عليهم، ففي هذا المقطع يقصّ الله علينا كذلك اقتراحا من اقتراحاتهم المتعنّتة، إنّهم يطلبون آية أي: خارقا على مقتضى ما يريدون وما يتعنتون، وقد بيّن الله- عز وجل أنه قادر على ذلك، ولكنّ حكمته تقتضي تأخير ذلك؛ لأنه لو أنزلها وفق ما طلبوا، ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة، كما فعل بالأمم السابقة، ثمّ قرّر جهل الأكثرين من بني الإنسان، ثمّ بيّن تعالى أنّ كلّ نوع من أنواع الحيوان إنّما هو أمّة من الأمم أليس هذا آية تدل على الله! بدليل أنّه لا ينسى أحدا منها من تدبيره ورزقه، فمن لم ير مثل هذه الآيات فأي آية تجعله يؤمن؟!
وفي هذا السياق يذكّر الله- عز وجل أنّ مرجع الجميع إليه، ثمّ بين تعالى أنّ مثل المكذّبين بآيات الله في جهلهم، وقلة علمهم، وعدم فهمهم، كمثل أصمّ: وهو الذي لا يسمع، أبكم: وهو الذي لا يتكلم، وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق أو يخرج مما هو فيه؟ ثمّ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوجه سؤالا للكافرين فيه تقرير أن الله المتصرّف في خلقه بما يشاء، الذي لا معقّب لحكمه، ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه؛ بل هو وحده الإله لا شريك له، بدليل أنّه في حالة مجئ الساعة لا يدعون غيره؛ لعلمهم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه، فكيف يشركون به غيره؟! وفي هذا السياق يقرّر الله سنة من سننه، هي مظهر من مظاهر قهره، هذه السنّة هي أنّه كلّما أرسل إلى أمّة رسولا، فلم يستجيبوا له، يبتليهم بالفقر، وضيق العيش، والأمراض، والأسقام، والآلام، من أجل أن يرجعوا إلى الله، ويتضرعوا إليه ويخشعوا فإذا لم يتضرعوا ويرجعوا، وزادت قسوة قلوبهم، وأصرّوا على ما هم عليه من الشرك، والفساد، والمعاصي، وتمادوا بالإعراض، والغفلة، والتناسي، فعندئذ يفتح الله عليهم أبواب الجاه والرزق، وكل ما يختارون، وهذا استدراج منه وإملاء لهم- عياذا بالله من مكره- حتى إذا فرحوا بما أعطوا من الدنيا؛ عندئذ يأخذهم الله بغتة؛ فإذا هم آيسون من كل خير، وهذه السنّة مظهر من مظاهر قهر الله وحكمته وعلمه، ثمّ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل هؤلاء المكذّبين المعاندين أنّه لو سلبهم الله سمعهم، وأبصارهم، وختم على قلوبهم، فهل أحد غير الله يقدر على ردّ ذلك إليهم؟ لا شك أنّ الجواب: لا يقدر على ذلك أحد سواه، إلا إذا أراد إنسان أن يماحك، ثم لفت الله نظر رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما يبيّنه ويوضّحه ويفسّره، ثمّ هؤلاء الكافرون مع هذا يعرضون عن الحق، ويصدّون الناس عن اتباعه، ثمّ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم أنّه في حالة مجئ العذاب مباغتا لهم أو ظاهرا يعاينونه، هل يهلك الله إلا الظالمين؟ وذلك لأنّ الرسل ما أرسلوا إلّا للتبشير والإنذار، فمن آمن وأصلح فإنه يستحق الأمن من الله لا العذاب، والذين يستحقون العذاب هم الفاسقون، ومن ثمّ فإن عذاب الله إذا جاء يصيبهم وحدهم.
وفي هذا السياق نعرف سنة من سننه- عز وجل أنّ عذابه لا يصيب به من يقوم بشرعه وحقّه، وإنّما يصيب به من كفر بما جاءت به الرّسل، وخرجوا عن أوامر الله وطاعته، وارتكبوا مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته.
ثم أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أوامر: أن يعلن عن كونه لا يملك ولا يتصرف بخزائن الله، وأنه لا يعلم الغيب؛ لأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب، وأنه ليس إلا بشرا من البشر، وليس ملكا، وأنه عبد لله مطيع، لا يخرج عما أوحى الله إليه قيد شبر، ولا أدنى منه، ثمّ أمره أن يسأل هل يستوي من اتّبع الحق وهدي إليه، ومن ضلّ عنه فلم ينقد له، ومجئ هذا السؤال في هذا السياق يفيد أن العبودية لله هي الإبصار الحقيقي، وهي الهداية الكاملة، ثمّ هيّجهم الله للتفكر، إذ التّفكّر في هذا المقام يدلّهم على أنّ محمدا عبد الله ورسوله حقا وصدقا، ثمّ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر بهذا القرآن من يخاف أن يحشر إلى الله يوم القيامة، حيث لا وليّ ولا شفيع لأحد من دون الله؛ إذ لا حاكم في ذلك اليوم إلا الله، فأمثال هؤلاء هم المرشحون للتقوى والعمل الصالح والإيمان، ثمّ نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطرد الذين يعبدون الله ويسألونه، وأمر ألا يبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات، بل أن يجعلهم جلساءه وأخصّاءه وحسابهم على الله، وهدّده أنّه إن طرد أمثال هؤلاء فإنّه والحالة هذه يكون ظالما، ثمّ بيّن حكمة اتّباع الرسل من الضعفاء وهي الابتلاء، والاختبار، والامتحان، لأهل الكبر، هل يتخلّون عن كبرهم، أو إنهّم يتكبرون على الضعفاء، وعلى الحق، ويستبعدون أن يمنّ الله على أمثال هؤلاء الضعفاء، والله- عز وجل هو الأعلم بالشاكرين له، بأقوالهم، وأفعالهم، وضمائرهم؛ فيوفّقهم ويهديهم سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم، ثمّ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكرم المؤمنين بردّ السلام عليهم وتبشيرهم برحمة الله الواسعة الشاملة، التي أوجبها على نفسه الكريمة تفضلا منه وإحسانا وامتنانا، وأن من رحمته أنّه يعامل من عصى ثم رجع عما كان عليه من المعاصي، وأقلع وعزم على ألّا يعود- وأصلح العمل في المستقبل- بالمغفرة والرّحمة. ثمّ بيّن تعالى أنّ تبيانه للحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد، وذم المجادلة والعناد، وتفصيله لما يحتاجه المخاطبون من بيان للآيات، كل ذلك من أجل أن تقوم الحجة، ومن أجل أن تظهر طريق المجرمين المخالفين للرّسل، ثمّ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن أنه على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إليه، بينما هم قد كذّبوا بالحق الذي جاءه من عند الله، وأن يعلن لهم أن ما يستعجلون به من العذاب لا يملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّ مرجع الأمر إلى الله، إن شاء عجّل لهم ما سألوه من العذاب، وإن شاء أنظرهم وأجّلهم، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة، وهو جل جلاله خير من فصّل، وخير من يفصل في الحكم بين عباده، ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: لو كان