الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالمسلم لا يقبل حكما إلا الله، والقرآن كلام الله صدق وعدل، والمسلم يعلم أن أكثر أهل الأرض ضالون، ولذلك فإنّه لا يطيع أحدا في معصية الله:
ولنر الآيات:
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً أي: قل يا محمد أفغير الله أطلب حاكما يحكم بيني وبينكم ويفصل المحقّ منّا من المبطل وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ. أي:
القرآن المعجز مُفَصَّلًا. أي: مبيّنا فيه الفصل بين الحق والباطل والشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق وعلى الكافر بالافتراء وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ. أي:
كعبد الله بن سلام وأمثاله يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ عضّد الدّلالة على أنّ القرآن حق بعلم أهل الكتاب أنّه حقّ لتصديقه ما عندهم وموافقته له فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. أي: من الشاكّين فيه أيها السامع، أو فلا تكوننّ من الممترين في أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل بالحق، ولا يشكّك جحود أكثرهم وكفرهم به
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ. أي: ما تكلم به، أي تمّ كل ما أخبر به وأمر ونهى ووعد وأوعد صِدْقاً وَعَدْلًا صدقا في وعده ووعيده وإخباره، وعدلا في أمره ونهيه وتشريعه لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ. لا أحد يبدّل شيئا من ذلك وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
أي: السّميع لإقرار من أقرّ، العليم بإصرار من أصرّ، أو السميع لما يقولون، العليم بما يضمرون
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ. أي: الكفار لأنهم الأكثرون يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. أي: عن دينه إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ فيما هم فيه فليسوا على علم ولا عقل وإن ادّعوا ذلك وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. أي: يكذبون على الله فيما يدّعونه من ادّعاءات يمدحون بها أنفسهم فيما هم عليه
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. أي: هو يعلم الكفار والمؤمنين، وهو أعلم بالمهتدي والضال، فلا تفيد عنده الدعاوى.
كلمة في السياق:
حدّدت هذه الآيات موقف المسلم من اقتراحات الكافرين ومن وساوس الشياطين، وبينت أنه إن أطاع أكثر أهل الأرض فإنّه يضل، وأن الكفر لا يقوم على شئ يقيني أبدا بل مبناه على الظنون والأوهام وفي هذا السياق يأتي كلام عن أكل ما ذكر اسم الله عليه فما محلّ ذلك في السياق:
إن الآيات السابقة على هذه الآيات ذكرت: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي
بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وتأتي الآن آيات فيها: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. فالآيات اللاحقة إذن تقدم لنا نماذج على وساوس الشياطين التي لا يصح لمسلم أن يصغي إليها أو يطيعها. هذه واحدة:
والآيات السابقة تبين أن الله- عز وجل قد أنزل إلينا الكتاب مفصلا، وأن هذا الكتاب عدل وصدق، وفي هذا السياق يأتي نموذج على ما يأمر به هذا الكتاب من صدق وعدل وعلى ما فيه من تفصيل ولذلك نجد في الآيات قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. ثمّ إن سورة الأنعام محورها من سورة البقرة كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
…
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً
…
فالآيات هنا تأتي لتحدّد لنا الكيفية المشروعة لنوع من أنواع الاستفادة من بعض ما خلقه الله لنا.
إن السّورة التي تناقش الكافرين بالله في كفرهم تبين في الوقت نفسه مقتضيات الإيمان الحق بالله، ومن ذلك أن يذكر اسم الله على الذبائح، ولذلك نجد أن الآية الأولى فيما يأتي تقول فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ فلنر الآيات:
فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ. أي: إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه خاصة، أي على ذبحه، دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم المزعومة، أو مات حتف أنفه، أو لم يذكر اسم الله عليه، دلّ ذلك على أن مقتضى الإيمان بالله الالتزام بشرعه في موضوع الذبائح
وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. أي: وأي غرض لكم في ألّا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ. أي: بيّن لكم ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مما لم يحرّم إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ. أي: إلا ما اضطررتم إلى أكله مما حرّم عليكم، فإنه حلال لكم في حال الضرورة، والاضطرار شدّة الحاجة إلى الأكل وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. أي: يضلّون فيحرّمون ويحلّلون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلّق بشريعة، وعن غير علم أيّ علم إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ. أي: المتجاوزين الحق إلى الباطل
وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ. أي: علانيته وسرّه، ومن علانيته الزّنا بالمحلّات العمومية، ومن سرّه الزنا السريّ في البيوت، أو المراد بالظاهر الشرك الجلي، وبالباطن الشرك الخفي، أو المعاصي الظاهرة كلها، والمعاصي الباطنة