الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية جزما أنه لا يتولى إنسان، أو أمة، أو جماعة، أو حكومة عن حكم الله، إلا وسينزل الله بأصحابه مصيبة دنيوية عقوبة لهم على التولّي وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ. أي: لخارجون عن أمر الله
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ. أي:
يطلبون، إذ يرفضون حكم الله العادل الذي هو أثر عن علمه، ويريدون حكم البشر الذي هو أثر عن القصور والجهل والهوى وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً. أي: لا أحد أحسن من الله حكما لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. فإنهم هم الذين يتبيّنون أن لا أعدل من الله، ولا أحسن حكما منه.
دلّ ذلك على فضيلة اليقين، ومنه نتبيّن أنّ تربية اليقين هي الطريق للعودة إلى حياة الأمة الإسلامية بالقرآن والإسلام والشريعة.
فوائد:
1 - [الحكم بما أنزل الله في التوراة والإنجيل والقرآن. ما حكمه
؟]
2 - [حكم من لم يحكم بما أنزل الله]
وصف الله- عز وجل من لم يحكم بما أنزل بأنه كافر، ظالم، فاسق. قال الشيخ أبو منصور الماتريدي: يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاث، فيكون كافرا، ظالما، فاسقا. لأن الفاسق المطلق، والظالم المطلق، هو الكافر. وقيل (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) * فهو كافر بنعمة الله، ظالم في حكمه، فاسق في فعله. وهذا في غير المستحل أو المفضّل أو الجاحد أو المستهين فهؤلاء كفّار بإجماع وقال أكثر من إمام:
نزلت في أهل الكتاب- أي هذه الآيات- وقال الحسن: وهي علينا واجبة. وقال إبراهيم: ورضي الله لهذه الأمة بها. وكيف لا يكون ترك الحكم بالقرآن مساويا لترك الحكم بالتوراة والإنجيل، والقرآن مهيمن على التوراة والإنجيل.
[3، 6 - فوائد حول حكم القصاص ومسائل فيه]
3 -
روى ابن مردويه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ. قال: «هو الذي تكسر سنّه، أو تقطع يده، أو يقطع الشئ منه، أو يجرح في بدنه، فيعفو عن ذلك. قال: فيحط عنه خطاياه وإن كان
ربع الدية فربع خطاياه، وإن كان الثلث فثلث خطاياه، وإن كانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك». روى ابن مردويه أيضا عن عدي بن ثابت أن رجلا هتم فمه رجل على عهد معاوية رضي الله عنه، فأعطي دية فأبى إلا أن يقتص، فأعطي ديتين، فأبى، فأعطى ثلاثا فأبى، فحدّث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تصدّق بدم فما دونه فهو كفارة له من يوم ولد إلى يوم يموت» . وقال الإمام أحمد أنّ عبادة بن الصامت قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يجرح من جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفّر الله عنه مثل ما تصدّق به» . وقال الإمام أحمد أيضا عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصيب بشيء من جسده فتركه لله كان كفّارة له» .
4 -
نلاحظ في موضوع القصاص وغيره أن هناك شيئا أجمع عليه الأئمة، وهناك شئ اختلفوا فيه. فما لا يسع أحدا- شعوبا أو حاكمين- تركه هو ما أجمعوا عليه. وأمّا ما اختلفوا فيه فللفرد الأخذ برأي إمام مجتهد. وللدولة الأخذ برأي إمام على ألّا يكون الأخذ أثرا عن هوى بل أثرا عن تحقيق.
5 -
قوله تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ .. إخبار عن حكم الله الموجود في التوراة في موضوع القصاص. وهذا الحكم نجده الآن في ما يسمّونه التوراة، في سفر الخروج، في الإصحاح الحادي والعشرين. «وإن حصلت أذية تعطى نفس بنفس، وعينا بعين، وسنا بسن، ويدا بيد، ورجلا برجل، وكيا بكي، وجرحا بجرح، ورضّا برضّ
…
». والملزم لنا ما ورد في كتابنا.
قال ابن كثير: وقد حكى الإمام أبو نصر الصبّاغ- رحمه الله في كتابه الشامل إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلّت عليه. وقد احتج الأئمة كلّهم على أن الرّجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة، وكذا ورد في الحديث الذي رواه النّسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم «أن الرجل يقتل بالمرأة» . وفي الحديث الآخر «المسلمون تتكافأ دماؤهم» . وهذا قول جمهور العلماء، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها، إلا أن يدفع وليّها إلى أوليائه نصف الدية، لأن ديتها على النصف من دية الرّجل، وإليه ذهب أحمد في رواية وروي عن الحسن وعطاء وعثمان البستي، ورواية عن أحمد: أنّ الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها بل يجب ديتها، وهكذا احتجّ أبو حنيفة رحمه الله تعالى
بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر الذمّي، وعلى قتل الحر بالعبد، وقد خالفه الجمهور فيهما، ففي الصحيحين: عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يقتل مسلم بكافر» وأمّا العبد ففيه عن السّلف آثار متعدّدة أنهم لم يكونوا يقيدون العبد من الحر، ولا يقتلون حرا بعبد، وجاء في ذلك أحاديث لا تصح.
وحكى الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك، ولكن لا يلزم عن ذلك بطلان قولهم إلا بدليل مخصّص للآية الكريمة.
ويؤيّد ما قاله ابن الصبّاغ من الاحتجاج بهذه الآية الكريمة الحديث الثابت في ذلك، كما قال الإمام أحمد عن أنس بن مالك: أنّ الرّبيّع عمّة أنس كسرت ثنيّة جارية، فطلبوا إلى القوم العفو، فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«القصاص» ، فقال أخوها أنس بن النضر: يا رسول الله تكسر ثنية فلانة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أنس كتاب الله القصاص» . قال: فقال: لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية فلانة قال: فرضي القوم فعفوا وتركوا القصاص. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» . أخرجاه في الصحيحين. وقد رواه محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري في الجزء المشهور من حديثه عن حميد عن أنس بن مالك: أن الرّبيّع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت ثنيتها. فعرضوا عليهم الأرش، فأبوا، فطلبوا الأرش والعفو فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص. فجاء أخوها أنس بن النضر فقال:
يا رسول الله أتكسر ثنيّة الرّبيّع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيّتها. فقال النّبي صلى الله عليه وسلم:
«يا أنس: كتاب الله القصاص» فعفا القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» . رواه البخاري عن الأنصاري.
6 -
ورد في آية القصاص قوله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ والقاعدة في هذا:
أن الجراح تارة تكون في مفصل، فيجب فيه القصاص بالإجماع، كقطع اليد والرّجل والكفّ والقدم ونحو ذلك، وأما إذا لم تكن الجراح في مفصل، بل في عظم، فقال مالك رحمه الله: فيه القصاص إلا في الفخذ وشبهها، لأنه مخوف خطر. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يجب في شيء من العظام إلا في السن. وقال الشافعي: لا يجب القصاص في شئ من العظام مطلقا، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله بحديث الرّبيّع بنت النّضر على مذهبه أنه لا قصاص في عظم إلا في السن. وقال الفقهاء لا يجوز أن يقتص من الجراحة حتى تندمل جراحة المجني عليه، فإن اقتص منه