الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يؤمر النّبي عليه الصلاة السلام بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم. أو أن يكون لله مراد في شأن أهل الكفر يذلّهم به ويرغمهم، أو أن يكون لله أمر تشريعي من عنده في شأن أهل الكفر والنفاق وقد فعل فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ. أي: فيصبح أهل النفاق على ما أخفوه في أنفسهم من النفاق نادمين
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا بعضهم لبعض إذا ظهر نفاق أهل النفاق وتكشّف أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ. أي: أهؤلاء الذين أقسموا لكم بأغلظ الإيمان، مجتهدين في توكيد أيمانهم، أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ. أي: ضاعت أعمالهم التي عملوها رياء وسمعة، لا إيمانا وعقيدة. وهذا من قول الله- عز وجل شهادة بحبوط الأعمال، وتعجيبا من سوء حالهم فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ في الدنيا والعقبى لفوات المعونة ودوام العقوبة.
فوائد: [حول آية .. لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ
…
وسبب نزولها]
1 -
أخرج ابن أبي حاتم عن عياض أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد. وكان له كاتب نصراني فرفع إليه ذلك، فعجب عمر وقال: إن هذا لحفيظ، هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام؟ فقال: إنه لا يستطيع، فقال عمر: أجنب هو؟ قال: لا، بل نصراني. قال: فانتهرني وضرب فخذي، ثم قال: أخرجوه، ثم قرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآية» أقول: هل يفهم من هذا حرمة إعطاء الذمّي عملا للمسلمين؟ المسألة ذات صور متعددة، تختلف باختلاف الأعمال، والأحوال والظروف، والزمان والمكان، وتحكم فيها الفتوى البصيرة من أهلها.
2 -
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال: قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر. قال: فظننّاه يريد هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآية. من مثل هذه النصوص والفهوم ندرك هذه الحقيقة المهمّة في الإسلام، وهي أن الولاء يجب أن يكون للإسلام والمسلمين، أو بتعبير آخر إنّ الولاء يجب أن يكون للإسلام وأهله، أو بتعبير آخر إن الولاء يجب أن يكون للإسلام وللجماعة المسلمة، والجماعة أن تكون على الحق ولو كنت وحدك.
3 -
اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآيات الكريمات: فذكر السّدي أنّها
نزلت في رجلين، قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحد: أما أنا فإنّي ذاهب إلى ذلك اليهودي فآوي إليه وأتهوّد معه، لعلّه ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث، وقال الآخر: أما أنا فإنّي ذاهب إلا فلان النصراني بالشام فآوي إليه وأتنصّر معه، فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآيات.
وقال عكرمة: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، فسألوه ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه أي إنّه الذبح. رواه ابن جرير. وقيل: نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول، كما روى ابن جرير .. عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي موالي من يهود، كثير عددهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود، وأتولى الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية مواليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي:«يا أبا الحباب، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه» . قال: قد قبلت! فأنزل الله- عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآيتين.
ثم روى ابن جرير .. عن الزهري قال: لما انهزم أهل بدر، قال المسلمون لأوليائهم من اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر، فقال مالك بن الصيف: أغرّكم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال، أما لو أسررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا، فقال عبادة بن الصامت: يا رسول الله إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم، كثيرا سلاحهم، شديدة شوكتهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولاية يهود، ولا مولى لي إلا الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي: لكني لا أبرأ من ولاية يهود إني رجل لا بدّ لي منهم، فقال رسول الله:«يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه» . فقال: إذا أقبل! قال: فأنزل الله. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ- إلى قوله تعالى- وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
وقال محمد بن إسحاق: فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع فحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال:
يا محمد أحسن في مواليّ- وكانوا حلفاء الخزرج- قال: فأبطأ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
فقال: يا محمد أحسن في مواليّ، قال: فأعرض عنه، قال: فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسلني» . وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال:«ويحك أرسلني» . قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني امرؤ أخشى الدوائر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«هم لك» . قال محمد بن إسحاق، فحدثني أبا إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبّث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج- له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي- فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرّأ إلى الله ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله أبرأ إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ. بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إلى قوله وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ. وروى الإمام أحمد .. عن أسامة بن زيد قال:
دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي نعوده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«قد كنت أنهاك عن حب يهود» . فقال عبد الله: فقد أبغضهم أسعد
بن زرارة فمات.
وكذا رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق». يقصد عدو الله أن يردّ على قول الرسول عليه الصلاة السلام بأن أسعد بن زرارة قد أبغضهم سماعا لأمرك، فلم يغن عنه ذلك شيئا وها قد مات فلم تنهاني عنهم؟
بعد ذكر أسباب النزول هذه نستطيع أن نقول: إن للنّفاق مظاهر متعددة متجدّدة، فللنفاق مظاهره عند ما تكون الدولة للمسلمين. وللنفاق مظاهره عند ما تكون الدولة للكافرين، وللنفاق مظاهره عند ما تكون المسألة بين بين، أو تحتمل وتحتمل. وفي أسباب النزول المارّة مظهر من مظاهر هذا النفاق في حالة من الحالات.
والأصل الذي ينبغي أن نعرفه أن النفاق مرض في القلب يصيب الإنسان كما يصيبه الكفر أو الحسد أو الحقد أو الغل أو الكبر، وأنّ المظهر الرئيسي لهذا المرض هو الولاء للكافرين والمنافقين، هذا الولاء يكون خفيا أحيانا، ويكون ظاهريا أحيانا، ويكون بشكل ويكون بآخر على حسب الأحوال، ولا بد أن نلاحظ في أنفسنا أنّ من واجبنا أن
نطهّر هذه الأنفس من النفاق بالسلوك الحقيقي لطريق الإيمان، وأن نقطع كل معنى من معاني الولاء في أنفسنا لأعداء الله، وكذلك علينا أن نلاحظ في عملية التربية للمسلمين أن نعمّق قضية الإيمان في أنفسهم، وأن نحرّر هذه الأنفس من كل مظاهر الولاء المنحرف.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ. أي: من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ.
أي: يرضى أعمالهم ويثني عليهم بها، ويطيعونه ويؤثرون رضاه، ويسيرون في الطرق المؤدية إلى محبته، ويتخلون عن الطرق التي تؤدي إلى ما يبغض أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الأذلة جميع ذليل، والذليل بيّن الذّل، وقد قال تعالى: أذلة على المؤمنين، ولم يقل أذلة للمؤمنين ليضمّن الذّل معنى الحنو والعطف، كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التّذلل والتواضع، وهذه الذّلّة ذلة الولد لوالده وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (الإسراء: 24) فهي أثر عن الرحمة، ولذلك وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح: 49) أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ. أي: أشداء عليهم، والعزاز الأرض الصلبة، فهم مع المؤمنين كالولد لوالده، والعبد لسيده، ومع الكافرين كالسبع على فريسته يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بقتال أعدائه وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ. أي: يجاهدون وحالهم في الجهاد خلاف حال المنافقين، لأن المنافقين لا يعملون شيئا يعلمون أنهم بسببه يلحقهم لوم من جهة الكافرين، أمّا المؤمنون فصفتهم الجهاد في سبيل الله، وهم صلّاب في دينهم إذا شرعوا في أمر من أمور الدين، لا تروعهم لومة لائم، لا تؤثر فيهم، ولا تمنعهم عن المضيّ فيه. واللّومة: المرّة من اللوم، وفي تنكير اللومة ولائم مبالغتان، فكأنه قيل لا يخافون شيئا قط من لوم واحد من اللوّم، وفي عصرنا حيث تزداد حملات الإعلام العالمي ضد الجهاد وأهله، يدرك المسلم ضرورة التحقق بهذه الصفة. وفي عصرنا- عصر ضعف المسلمين- إذ يفرض الضعف منطقه على الكثيرين، فيلومون من جاهد، ندرك ضرورة التحقق بهذه الصفة ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ هذا إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة، وانتفاء خوف اللومة وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ومن سعته كثرة إفضاله، ومن علمه أن يعطي هذه الصفات لمن هو أهلها.
وبعد أن ذكر في بداية هذا المقطع من تجب معاداته يذكر الآن من تجب موالاته فقال: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ إنما تفيد الاختصاص أي: المذكورون وحدهم يخصّون بالموالاة وتجب لهم. ولم يجمع الولي وإن