الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن ذكرت المجموعة الثانية المحرمات الرئيسية، وهيّجت على الالتزام بأسلوبي الترهيب والترغيب، بعد هذا كله تأتي المجموعة الثالثة لتحدّد الطريق.
وقبل أن نعرضها نحب أن نذكر مجموعة فوائد مما له صلة بالمجموعة الثانية:
فوائد: [حول الآيات التي أنزل الله فيها ما حرم علينا]
1 -
روى داود الأودي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أراد أن ينظر إلى وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً إلى قوله لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
وروى الحاكم في مستدركه أن عبد الله بن خليفة سمع ابن عباس يقول: في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب، ثم قرأ: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الآيات. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وروى الحاكم أيضا .. عن عبادة ابن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّكم يبايعني على ثلاث؟» ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ حتى فرغ من الآيات فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخّر إلى الآخرة فأمره إلى الله إن شاء عذّبه وإن شاء عفا عنه» ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
فلنحاول أن نعرض أنفسنا على هذه الآيات فإن العلم بلا محاسبة للنّفس على العمل لا يكفي.
2 -
في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الذنب أعظم؟ قال أن تجعل لله ندّا وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك» ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ الآية.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» وقال سعد بن عبادة: لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
أتعجبون من غيرة سعد. والله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني، من أجل ذلك حرم
الفواحش ما ظهر منها وما بطن» وجاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله الله وأنّي رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثّيب الزاني، والنّفس بالنفس، والتّارك لدينه المفارق للجماعة» . وروى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زان محصن يرجم، ورجل قتل متعمدا فيقتل، ورجل يخرج من الإسلام وحارب الله ورسوله فيقتل، أو يصلب، أو ينفى من الأرض» . وروى الإمام أحمد والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه عن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه أنّه قال وهو محصور: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس» فو الله ما زنيت
في جاهلية ولا إسلام، ولا تمنّيت أن لي بديني بدلا منه بعد إذ هداني الله، ولا قتلت نفسا، فبم تقتلونني؟» وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد: وهو المستأمن من أهل الحرب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:«من قتل معاهدا له ذمّة الله وذمّة رسوله فقد أخفر بذمّة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا» رواه ابن ماجه والتّرمذي وقال: حسن صحيح.
وروى الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان:
«إنكم ولّيتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم» .
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثمّ قال:
«هذا سبيل الله مستقيما» ، وخط عن يمينه وشماله، ثمّ قال:«هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه» ثم قرأ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ. وكذا رواه الحاكم وقال: صحيح، ولم يخرجاه.
وروى الإمام أحمد عن النّوّاس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس، هلمّوا ادخلوا الصّراط المستقيم جميعا ولا تتفرّقوا، وداع يدعو من فوق الصّراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه، فإنّك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتّحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس
الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم» ورواه الترمذي والنسائي أيضا.
3 -
قال كعب الأحبار: «إن هذه الآيات لأول شئ في التوراة» أي: هذه الوصايا العشر مذكورة في أوائل التوراة، وقد تتبعت ما يسمّونه الآن بالتوراة فوجدت في الإصحاح العشرين من سفر الخروج وهو السفر الثاني من أسفار التوراة: «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي
…
» وهذا وما بعده يقابل (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)«أكرم أباك وأمك .... » وهذا يقابل وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً «لا تقتل» وهذا يقابل: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ .... وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ ..... «لا تزن» وهذا يقابل:
وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ «لا تسرق» وهذا يقابل:
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ. «لا تشهد على قريبك شهادة زور» وهذا يقابل:
وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا .... وفي الإصحاح الخامس من سفر التثنية هذه الفقرات:
«لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالا منحوتا صورة ما، فما في السماء من فوق، وما في الأرض من أسفل، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك إله غيور .... » . «لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا، لأن الرب لا يبرّئ من نطق باسمه باطلا
…
» «أكرم أباك وأمك أوصاك الرب إلهك .... » . «لا تقتل ولا تزن ولا تسرق ولا تشهد على قريبك شهادة زور ولا تشته امرأة قريبك» .
وخلال ذلك وصية بحفظ السبت فهل تقابل هذه أمر الله لنا بالوفاء بعهد الله؟ ولو أننا نظرنا إلى هذه الوصايا في التوراة، لوجدناها تقابل بشكل ما الوصايا العشر في ديننا، مع الاختلاف في محتوى بعض الألفاظ مما خالفت فيه شريعتنا شريعتهم بأمر الله ونسختها؟.
4 -
رأينا أن قوله تعالى في القرآن: وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ يقابل في التوراة الحالية «ولا تزن» وقد قال تعالى عن الزنا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا فهذا كله يجعل الزنا يدخل دخولا أوليا في النهي وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ
…
، ولصاحب الظلال كلام طيب في هذا المقام:
يقول: «والفواحش: كل ما أفحش- أي تجاوز الحد- وإن كانت أحيانا تخص بنوع منها هو فاحشة الزنا. ويغلب على الظن أن يكون هذا هو المعنى المراد في هذا
الموضوع. لأن المجال مجال تعديد محرمات بذاتها، فتكون هذه واحدة منها بعينها. وإلا فقتل النفس فاحشة، وأكل مال اليتيم فاحشة، والشرك بالله فاحشة الفواحش.
فتخصيص «الفواحش» هنا بفواحش الزنا أولى بطبيعة السياق. وصيغة الجمع. لأن هذه الجريمة ذات مقدمات وملابسات كلها فاحشة مثلها: فالتبرج، والتهتك، والاختلاط المثير، والكلمات والإشارات والحركات والضحكات الفاجرة، والإغراء والتزين والاستثارة
…
كلها فواحش تحيط بالفاحشة الأخيرة. وكلها فواحش منها الظاهر ومنها الباطن. منها المستتر في الضمائر ومنها البادي على الجوارح. منها المخبوء المستور ومنها المعلن المكشوف وكلها مما يحطم قوام الأسرة، وينخر في جسم الجماعة، فوق ما يلطخ ضمائر الأفراد، ويحقر من اهتماماتهم، ومن ثم جاءت بعد الحديث عن الوالدين والأولاد.
ولأن هذه الفواحش ذات إغراء وجاذبية، كان التعبير: وَلا تَقْرَبُوا .. للنهي عن مجرد الاقتراب، سدا للذرائع، واتقاء للجاذبية التي تضعف معها الإرادة. لذلك حرمت النظرة الثانية- بعد الأولى غير المتعمّدة- ولذلك كان الاختلاط ضرورة تباح بقدر الضرورة. ولذلك كان التبرج- حتى بالتعطر في الطريق- حراما، وكانت الحركات المثيرة، والضحكات المثيرة، والإشارات المثيرة، ممنوعة في الحياة الإسلامية النظيفة .. فهذا الدين لا يريد أن يعرّض الناس للفتنة ثم يكلف أعصابهم عنتا في المقاومة. فهو دين وقاية قبل أن يقيم الحدود، ويوقع العقوبات. وهو دين حماية للضمائر والمشاعر والحواس والجوارح. وربك أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير.
وكذلك نعلم ما الذي يريده بهذا الدين، وبحياة المجتمع كله وبحياة الأسرة، من يزيّنون للناس الشهوات، ومن يطلقون الغرائز من عقالها بالكلمة والصورة والقصة والفيلم وبالمعسكر المختلط وبسائر أدوات التوجيه والإعلام»!
5 -
بمناسبة قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ نحب أن نتحدّث عن قضيتين: الأولى حول تأويل قوله تعالى:
أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ والقضية الثانية حول المراد ببعض آيات الله في هذا المقام؟ ولنتكلم عن القضيتين واحدة بعد أخرى:
ا- فسّر بعضهم قوله تعالى: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بأن المراد منه: أو يأتي أمر ربك، بدعوى أنّ هذه الآية تشبه آية في سورة النّحل تتكلم عن نفس المقام هي قوله
تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ قال النّسفي:
وَجاءَ رَبُّكَ. أي: أمر ربك وهو العذاب أو القيامة وهذا لأن الإتيان متشابه، وإتيان أمره منصوص عليه محكم فيردّ إليه» والذين ردّوا التأويل قالوا: إن المقامين مختلفان.
ب- والقضية الثانية هي التي تشير إليها النصوص التالية:
ا- روى البخاري في تفسير هذه الآية
…
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها» . فذلك حين لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ.
ب- روى ابن جرير
…
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدّجال، ودابّة الأرض» .
ج- روي في الصحيحين وغيرهما
…
عن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تدري أين تذهب الشمس إذا غربت؟» قلت: لا أدري، قال:«إنها تنتهي دون العرش فتخرّ ساجدة ثم تقوم حتى يقال لها: ارجعي، فيوشك يا أبا ذرّ أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت، وذلك حين لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» .
د- روى الإمام أحمد
…
عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدّخان، والدابّة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم، وخروج الدّجال، وثلاثة خسوف:
خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق- أو تحشر- النّاس، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا».
وهكذا رواه مسلم وأهل السنن الأربعة وقال الترمذي: حسن صحيح.
هـ- روى الإمام أحمد
…
عن ابن السعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل» . فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو ابن العاص: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر
السّيئات، والأخرى تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبّلت التوبة، ولا تزال التوبة تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل». وهذا الحديث حسن الإسناد.
و- روى ابن مردويه
…
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
ز- روى ابن مردويه
…
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون؛ يقوم أحدكم يقرأ حزبه، ثمّ ينام، ثمّ يقوم فيقرأ حزبه، ثمّ ينام، فبينما هم كذلك، إذ صاح الناس بعضهم في بعض، فقالوا: ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد، فإذا هم بالشمس قد طلعت، حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت من مطلعها- قال حينئذ- لا ينفع نفسا إيمانها» . قال ابن كثير: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
والذي نحب أن نلفت إليه النظر في هذا الموضوع هو:
1 -
إن الشمس في كل لحظة في شروق وغروب بالنسبة لمجموع الأرض، ومن أجل هذا فإن حديث أبي ذرّ:«تدري أين تذهب الشمس إذا غربت؟» قلت لا أدري قال: إنها تنتهي دون العرش فتخرّ ساجدة ثم تقوم حتى يقال لها: ارجعي» يمكن حمله على أن الشمس دائما تحت العرش وأنها في كل لحظة ساجدة، وأنها في كل لحظة تستأذن ربها في الاستمرار استئذانا الله أعلم بكيفيّته، فهي مستمرة على سنتها هذه، وقانونها الذي فطرها الله عليه حتى تأتى اللحظة التي يريد الله بها أن يحدث الأحداث الكبرى من أشراط الساعة، كمقدمة لقيام الساعة، عندئذ يأمرها بتغيير سنّتها.
ويحتمل أن يكون المراد من الحديث غروبا خاصا لها، بالنسبة لمجموع الكرة الأرضية، تصبح فيه أقرب ما تكون إلى العرش في حالة الله أعلم بها، إذ إن موضوع دوران
الأرض، وحركة الشمس، وصلة ذلك بالعرش، وارتباط هذا العالم بالعالم الغيبي، لا نعرف عنه إلا القليل.
2 -
إن رؤية الشمس من مغربها آية لكل الأرض، وليست لقطر دون قطر، وهذا هو سرّ غيابها ليلتين عن بعض الأقطار، وثلاث عن بعضها الآخر، كما في بعض الآثار إذ عملية الرجوع تقتضي هذا الغياب الطويل عن بعض الأقطار.
3 -
وهل هناك لحظة وقوف تستمر فترة زمنية ما؟ إنّ النّصوص التي تذكر استمرار الظلمة ثلاثة ليال تشعر بذلك.
4 -
هل نستطيع أن نقرب هذه القضية على ضوء معلومات العصر؟ نقول: إن للشمس ثلاث دورات- أو حركات- حركة حول نفسها، وحركة مع مجموعتها الشمسية باتجاه كوكبة الجاثي، وحركة مع مجرتها، وفي عملية صعود الشمس نحو كوكبة الجاثي فإنها تجر معها أسرتها الشمسية كلها، وبعض علماء الكون يرون أن الشمس إذا وصلت إلى نقطة ما، يعتبرونها رأس الموشور بالنسبة لسير الشمس في هذا الاتجاه، فإن شيئا ما سيحدث، فلنفترض أنها وصلت إلى نقطة ما، وأمرت بالرّجوع منها فماذا يحتمل أن يكون في لحظة الأمر؟ التوقف، والعودة إلى المسار الجديد؟
ويكون ما ورد فى الأحاديث هو من مظاهر ما سيحدث، ولعلنا نستطيع أن نفهم حديث أبي ذر على مثل هذا «تدري أين تذهب الشمس إذا غربت؟» إذا عرفنا أن كل لحظة هي في غروب يصبح السؤال هكذا:«أتدري أين تذهب الشمس» الجواب:
«إنها تنتهي دون العرش فتخر ساجدة، ثم تقوم حتى يقال لها ارجعي، فيوشك يا أبا ذرّ أن يقال لها ارجعي من حيث جئت» فوصولها إلى ما دون العرش، وصولها إلى رأس الموشور، والأمر لها بالرجوع هو لحظة التغيّر للمسار الذي يترتب عليه ما ورد في الآثار. وإني وإن قررت هذا التقرير للتقريب لكن الذي ألقى عليه الله هو الإيمان، مع التسليم، وترك الأمر لحين الوقوع، فإذا وقع كما مرّ في الآثار المنقولة، فذلك يثبت صدق النّقلة، وعدم توهّمهم، وإن حدث خلاف شئ من ذلك يكون بعض النقلة قد وهم، لأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا ينقضه شئ.
5 -
إن آية مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها مفصّلة لما أجمل في الآية الأخرى وهي قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها* وقد وردت الأحاديث مبينة لهذا الموضوع:
روى الإمام أحمد
…
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: «إنّ ربكم- عز وجل رحيم، من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له واحدة، أو يمحوها الله- عز وجل ولا يهلك على الله إلا هالك» ورواه البخاري ومسلم والنسائي.
وروى الإمام أحمد أيضا
…
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي
…
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيّئة فلم يعملها لم يكتب عليه شئ، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة» .
واعلم أن تارك السيئة الذي لا يعملها على ثلاثة أقسام: تارة يتركها لله، فهذا تكتب له حسنة على كفّه عنها لله تعالى، وهذا عمل ونية، ولهذا جاء أنه يكتب له حسنة، كما جاء في صحيح مسلم «فإذا تركها من جرّائي». أي: من أجلي- وتارة يتركها نسيانا وذهولا عنها، فهذا لا له، ولا عليه، لأنّه لم ينو خيرا ولا فعل شرا- وتارة يتركها عجزا وكسلا عنها، بعد السعي في أسبابها، والتلبّس بما يقرّب منها، فهذا بمنزلة فاعلها، كما جاء في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال:«إنّه كان حريصا على قتل صاحبه»
وروى الإمام أبو يعلى الموصلي أيضا .. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من همّ بحسنة كتب الله له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن همّ بسيّئة لم تكتب عليه حتى يعملها، فإن عملها كتبت عليه سيّئة، فإن تركها كتبت له حسنة، يقول الله تعالى: إنما تركها من مخافتي» وروى الإمام أحمد .. عن خريم بن فاتك الأسدي: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ النّاس أربعة، والأعمال ستة، فالناس: