الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ووردت في الآية (21) وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ ووردت في الآية (30) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ.
ولقد وردت قضية الميثاق والإفساد في الأرض كما رأينا. أفلا يكون هذا دليلا على ما ذهبنا إليه من أنّ محور السورة ما ذكرنا.
وبعد المقطع الأول والمقطع الثاني يأتي مقطع ثالث يحدثنا عما تنحسم به مواد الإفساد في الأرض، بعد ما سبق من كلام عن حدّ الحرابة، وبعد ما جاء من دروس في تقاعس بني إسرائيل عن الجهاد. وقبل أن ننتقل إلى الكلام عن المقطع الثالث فلننقل بعض النقول ولنذكر بعض الفصول التي لها صلة في المقطع الثاني:
نقول: [عن صاحب الظلال حول تسلل الانحراف إلى عقائد النصارى]
1 -
رأينا أن الفقرة الأولى من المقطع الثاني كان فيها حديث عن النصارى وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ*. وقد تحدث صاحب الظلال حديثا طويلا حول الانحراف الذي تسلّل إلى النصارى ومراحله فقال: «إن الذي جاء به عيسى- عليه السلام من عند ربه هو التوحيد الذي جاء به كل رسول. والإقرار بالعبودية الخالصة لله شأن كل رسول ..
ولكن هذه العقيدة الناصعة أدخلت عليها التحريفات، بسبب دخول الوثنيين في النصرانية؛ وحرصهم على رواسب الوثنية التي جاءوا بها ومزجها بعقيدة التوحيد، حتى لم يعد هناك إمكان لفصلها وفرزها وتنقية جوهر العقيدة منها. ولم تجئ هذه الانحرافات كلها دفعة واحدة؛ ولكنها دخلت على فترات؛ وأضافتها المجامع واحدة بعد الأخرى؛ حتى انتهت إلى هذا الخليط العجيب من التصورات والأساطير، الذي تحار فيه العقول. حتى عقول الشارحين للعقيدة المحرفة من أهلها المؤمنين بها!.
وقد عاشت عقيدة التوحيد بعد المسيح- عليه السلام في تلامذته وفي أتباعهم.
وأحد الأناجيل الكثيرة التي كتبت- وهو إنجيل برنابا- عن عيسى- عليه السلام يذكره بوصفه رسولا من عند الله، ثم وقعت بينهم الاختلافات. فمن قائل: إن المسيح رسول من عند الله كسائر الرسل. ومن قائل: إنه رسول نعم، ولكن له بالله صلة خاصة.
ومن قائل: إنه ابن الله لأنه خلق من غير أب، ولكنه على هذا مخلوق لله. ومن قائل:
إنه ابن الله وليس مخلوقا بل له صفة القدم كالأب ..
ولتصفية هذه الخلافات اجتمع في عام 325 ميلادية «مجمع نيقية» الذي اجتمع فيه ثمانية وأربعون ألفا من البطارقة والأساقفة. قال عنهم ابن البطريق أحد مؤرخي النصرانية. «وكانوا مختلفين في الآراء والأديان فمنهم من كان يقول: إن المسيح وأمه إلهان من دون الله. وهم «البربرانية» . ويسمون «الريمتيين» . ومنهم من كان يقول:
إن المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها. وهي مقالة «سابليوس». وشيعته. ومنهم من كان يقول: لم تحبل به مريم تسعة أشهر، وإنما مر في بطنها كما يمر الماء من الميزاب، لأن الكلمة دخلت في أذنها، وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها. وهي مقالة «إليان» وأشياعه. ومنهم من كان يقول: إن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منّا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم، وإنه اصطفى ليكون مخلصا للجوهر الإنسي، صحبته النعمة الإلهية، وحلت فيه بالمحبة والمشيئة، ولذلك سمي «ابن الله» ويقولون: إن الله جوهر قديم واحد، وأقنوم واحد، ويسمونه بثلاثة أسماء، ولا يؤمنون بالكلمة، ولا بروح القدس. وهي مقالة «بولس الشمشاطي» بطريرك أنطاكية وأشياعه وهم «البوليقانيون» ومنهم من كان يقول: إنهم ثلاثة آلهة لم تنزل: صالح، وطالح، وعدل بينهما. وهي مقالة «مرقيون» اللعين وأصحابه! وزعموا أن «مرقيون» هو رئيس الحواريين وأنكروا «بطرس» . ومنهم من كانوا يقولون بألوهية المسيح وهي مقالة «بولس
الرسول» ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا.
وقد اختار الإمبراطور الروماني «قسطنطين» الذي كان قد دخل في النصرانية من الوثنية ولم يكن يدري شيئا من النصرانية! هذا الرأي الأخير وسلط أصحابه على مخالفيهم، وشرّد أصحاب سائر المذاهب، وبخاصّة القائلين بألوهية الأب وحده، وناسوتية المسيح. وقد ذكر صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية عن هذا القرار ما نصه:
ولكن هذا المجتمع بقراراته لم يقض على نحلة الموحّدين أتباع «آريوس» وقد غلبت
على القسطنطينية، وأنطاكية، وبابل، والإسكندرية، ومصر.
ثم ثار خلاف جديد حول «روح القدس» فقال بعضهم: هو إله، وقال آخرون:
ليس بإله! فاجتمع «مجمع القسطنطينية الأول» سنة 381 ليحسم الخلاف في هذا الأمر. وقد نقل ابن البطريق ما تقرر في هذا المجمع، بناء على مقالة أسقف الإسكندرية:
«قال ثيموثاوس بطريرك الإسكندرية: ليس روح القدس عندنا بمعنى غير روح الله. وليس روح الله شيئا غير حياته. فإذا قلنا إن روح القدس مخلوق، فقد قلنا: إن روح الله مخلوق. وإذا قلنا: إن روح الله مخلوق، فقد قلنا: إن حياته مخلوقة، فقد زعمنا أنه غير حي، وإذا زعمنا أنه غير حي فقد كفرنا به. ومن كفر به وجب عليه اللعن» !!! وكذلك تقررت ألوهية روح القدس في هذا المجمع، كما تقررت ألوهية المسيح في مجمع نيقية. وتم «الثالوث» من الأب. والابن. وروح القدس ..
ثم ثار خلاف آخر حول اجتماع طبيعة المسيح الإلهية وطبيعته الإنسانية .. أو اللاهوت والناسوت كما يقولون .. فقد رأى «نسطور» بطريرك القسطنطينية أن هناك أقنوما وطبيعة. فأقنوم الألوهية من الأب وتنسب إليه، وطبيعة الإنسان وقد ولدت من مريم، فمريم أم الإنسان- في المسيح- وليست أم الإله! ويقول في المسيح الذي ظهر بين الناس وخاطبهم- كما نقله عنه ابن البطريق:«إن الإنسان الذي يقول: إنه المسيح .. بالمحبة متحد مع الابن .. ويقال: إنه الله وابن الله، ليس بالحقيقة ولكن بالموهبة» .
وخالفه في هذا الرأي أسقف رومة، وبطريرك الإسكندرية، وأساقفة أنطاكية، فاتفقوا على عقد مجمع رابع وانعقد «مجمع أفسس» سنة 431 ميلادية. وقرر هذا المجمع- كما يقول ابن البطريق:«أن مريم العذراء والدة الله. وأن المسيح إله حق وإنسان، معروف بطبيعتين، متوحد في الأقنوم» .. ولعنوا نسطور!.
ثم خرجت كنيسة الإسكندرية برأي جديد، انعقد له «مجمع أفسس الثاني»