الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قسّيسين ورهبانا، وأن فيهم تواضعا واستكانة، واليهود على خلاف ذلك. قال النّسفى:
وفيه دليل على أن العلم أنفع شئ وأهداه إلى الخير، وإن كان علم القسّيسين، وكذلك علم الآخرة وإن كان في راهب، والبراءة من الكبر وإن كانت في نصراني
وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ وصفهم برقّة القلوب، وأنهّم يبكون عند استماع القرآن. ومعنى تفيض من الدمع: أي تمتلئ من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلئ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه، أو أن أعينهم جعلت كأنها تفيض بنفسها من أجل البكاء. وفي قوله تعالى (مِنَ الْحَقِّ) إن أريد ب (من) التبعيض يكون المعنى عرفوا بعض الحق فأبكاهم، فكيف إذا عرفوه كله، فقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنّة يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا. أي: بمحمّد صلى الله عليه وسلم فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ أي: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة، قالوا ذلك لمعرفتهم وصف هذه الأمّة بذلك
وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا. أي: وبما جاءنا مِنَ الْحَقِّ. أي: محمدا عليه الصلاة والسلام والقرآن وفي استفهامهم هذا معنى الإنكار والاستبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام الله عليهم بصحبة الصالحين، ولذلك ختمت الآية بقوله تعالى على لسانهم وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ والتقدير ونحن نطمع أن يدخلنا ربنا الجنة مع الأنبياء والمؤمنين
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا. أي: بقولهم ربنا آمنا وتصديقهم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ قال النسفي: فيه دليل على أن الإقرار داخل في الإيمان، وحتى لا يفهم فاهم أن هذا الثناء على النصارى جميعا عقّب فقال
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ هذا أثر الرّدّ في حق الأعداء، والأوّل أثر القبول للأولياء، فالثناء على نصارى من نوع خاص اجتمعت لهم صفات، منها قبول الإسلام، وهذا شئ يجب أن يضعه الدعاة إلى الله نصب أعينهم.
ملاحظات في السّياق:
1 -
لقد تحدّث القسم الأوّل من سورة المائدة عن الفسوق والخسران، ونقض العهد والإفساد في الأرض، وأسباب الهداية والضلال، ثمّ جاء القسم الثاني فعمّق في موضوع الهداية والضلال، وموضوع الفسوق والفساد في الأرض، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، ثمّ جاء القسم الثالث في مقطعيه آمرا بالتبليغ بانيا على ما مرّ من قبل
في السورة محرّرا من
أسباب الضلال، معمّقا أسباب الهداية. فالصلة بين هذا القسم وبين ما مرّ من السورة واضحة جدا. ألا ترى أن القسم الأول في السورة قد وجد في آياته الأولى قوله تعالى غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وقوله تعالى قبل ذلك أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ثم بعد ذلك قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
…
وسيأتي في هذا القسم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ
إنه بعد أن وضعت القواعد التوضيحية لكثير من الأمور في القسمين الأول والثاني، يأتي القسم الثالث في مقطعيه ليدعو وينذر ويربي في سياق الأمر بالتبليغ.
2 -
ومع أنّ القسم الثالث بنى على القسمين الأول والثاني اللذين وضّحا الكثير ممّا له علاقة بالمحور فهو واضح الارتباط بالمحور كذلك ففيه: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ ومن تذكر آيتي المحور في سورة البقرة وضحت لديه الصلة.
3 -
لقد جاء في أواخر المقطع الأول من القسم الأول: قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وجاء في أوّل المقطع الثاني من القسم الأول وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وذكر هناك عقوبة نقضهم للميثاق فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وفي المقطع الأول من القسم الثالث وهو المقطع الذي مرّ معنا:
جاء قوله تعالى لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا
…
ثمّ بيّن موقفهم من الرّسل وبيّن أنهم في فعلهم هذا كانوا يظنون ألا يفتنهم الله وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وقد ختم المقطع بقوله تعالى فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ
…
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وكل ذلك يؤكّد أن القسم الثالث مرتبط بالقسمين الأولين، وأنّ سياقه يكمّل سياقهما فبعد تقرير القواعد يأتي الأمر بالتبليغ وفي سياق التبليغ يأتي تفصيل لكثير من الأمور التي مرّت من قبل وسيأتي مزيد بيان.