الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال إبراهيم: وأولى بالعبادة من السحاب ريح تبدده وتسير به من فضاء إلى فضاء ..
قال النمروذ: فما لك لا تعبد الريح؟
قال إبراهيم: إن الإنسان يحتويها بأنفاسه فهو إذن أحق منها بالعبادة. ومغزى الحوار أن عقل الإنسان قادر بالنظر في خلق الله أن يصل إلى معرفة الخالق، وينكر عبادة الأوثان، فلما أعيا النمروذ أن يخضعه، سجنه ومنع عنه الطعام والماء، ومضى عليه عام في غيابته؛ فأيقن الحارس أنه قد مات، ولكنه ناداه: إبراهيم: أأنت بقيد الحياة؟ فسمع جوابه: نعم أنا بقيد الحياة. فأمر الملك بضرب عنقه، فلم يعمل فيه السيف .. فأوقد له نارا ودفع به إلى أحد أعوانه ليقذف به فيها، فلما قاربها خرج من الأتون لسان من النار والتهم الجلاد ولم يقترب من إبراهيم، فتشاور الملأ عند الملك في أمره، فاتفقوا على إحراقه وإلقائه في النار من منجنيق بعيد، مخافة من ألسنة النار. وضرع الملائكة إلى الله أن ينجيه، فأذن لهم أن يعملوا لنجاته ما يستطيعون، ولكنه أبي أن يعتمد في نجاته على أحد غير الله، وإذا بالجمر من حوله كأنه فراش من الورد والريحان».
أقول: إننا لا نستطيع إثبات شئ في أمر النبوات السابقة إلا إذا أقره الوحي الذي جاءنا عن رسولنا عليه الصلاة والسلام، فإذا أقره فعندئذ يكون داخلا في الوحي الذي أمرنا أن نؤمن به، وما عدا ذلك فالأمر يحتمل، ونحن لم ننقل ما نقله العقاد إلا لأن فيه اتجاها جديدا فأحببنا ذكره لنفتح النظر في موضوع اختلفت فيه عبارات المفسرين.
فوائد: [حول الآيات (74 - 76) والآية (82)]
1 -
اختلف المفسرون في اسم أبي إبراهيم، وهل آزر هو اسم له، أو لقب، أو نسب، أو اسم صنم سمي به لتعلقه به فقال ابن جرير: والصواب أن اسم أبيه آزر، ثم أورد على نفسه قول النسابين أن اسمه تارح، ثم أجاب بأنه قد يكون له اسمان، كالكثير من الناس، أو يكون أحدهما لقبا.
قال ابن كثير: وهذا الذي قاله جيد قوي.
2 -
ثبت في صحيح البخاري أن إبراهيم يلقى أباه آزر يوم القيامة فيقول له أبوه:
يا بنيّ اليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: أي ربّ ألم تعدني أنك لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقال: يا إبراهيم انظر ما وراءك، فإذا هو بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار.
3 -
أخرج ابن جرير عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال أي مجاهد: فرجت له السموات، فنظر إلى ما فيهن، حتى انتهى
إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع، فنظر إلى ما فيهن. وزاد غيره: فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي ويدعو عليهم، فقال الله إني أرحم بعبادي منك لعلّهم أن يتوبوا أو يرجعوا.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسيرها قال: فإنه تعالى جلا له الأمر سرّه وعلانيّته، فلم يخف عليه من أعمال الخلائق، فلمّا جعل يلعن أصحاب الذنوب، قال الله: إنك لا تستطيع هذا، فردّه كما كان قبل ذلك. قال ابن كثير: فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتى رأى ذلك عيانا، ويحتمل أن يكون عن بصيرته حتى شاهد بفؤاده وتحقّقه وعرفه، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدّلالات القاطعة، كما روى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه عن معاذ بن جبل في حديث المنام:«أتاني ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب، فوضع يده بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلى لي كلّ شئ وعرفت ذلك» .
وذكر الحديث.
4 -
رأينا في قول إبراهيم هذا رَبِّي من يذهب إلى أن هذا المقام مقام نظر وتدبّر، ومن يذهب إلى أنه مقام مناظرة. وقد جادل ابن كثير جدالا عنيفا وطويلا ضد القول الأول مستشهدا بالآيات الكثيرة التي تثبت رفض إبراهيم للأصنام ابتداء وسلامة فطرته، وبالأحاديث التي تثبت أن كل مولود يولد على الفطرة إلى أن قال: فإذا ما كان هذا في حق سائر الخليقة فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمّة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ناظرا في هذا المقام؟! بل هو أولى النّاس بالفطرة السليمة والمستقيمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب». ورجّح النسفي: أنّ كلام إبراهيم هذا للمناظرة بدليل قوله تعالى: يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أقول: ولا شك أن من لاحظ ابتداء الكلام في قصة إبراهيم وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ولاحظ نهاية الكلام، ثم مجئ قوله تعالى بعد ذلك وَحاجَّهُ قَوْمُهُ
…
يشعر أنّ المقام مقام مناظرة. وإن كان الظاهر غيره والله أعلم.
5 -
وبمناسبة قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ يذكر ابن كثير مجموعة أحاديث نذكرها بدون إسنادها مع حذف المكرّر:
- روى البخاري
…
عن عبد الله قال: لما نزلت وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قال أصحابه: وأيّنا لم يظلم؟ فنزلت: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
روى الإمام أحمد عن عبد الله قال: لما نزلت الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال: إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ إنما هو الشرك».
- روى ابن مردويه
…
عن عبد الله قال: لمّا نزلت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لي أنت منهم» .
- روى الإمام أحمد
…
عن جرير بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كأن هذا الراكب إياكم يريد» فانتهى إلينا فسلّم فرددنا عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «من أين أقبلت؟» قال: من أهلي وولدي وعشيرتي قال: «فأين تريد؟» قال: أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«فقد أصبته» . قال: يا رسول الله علّمني ما الإيمان؟. قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» . قال: قد أقررت. قال: ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جرذان فهوى بعيره وهوى الرجل فوقع على هامته فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«عليّ بالرجل» فوثب إليه عمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه، فقالا: يا رسول الله قبض الرجل!، قال: فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أما رأيتما إعراضي عن الرجل فإني رأيت ملكين يدسّان في فيه من ثمار الجنة فعلمت أنّه مات جائعا» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا والله من الذين قال الله- عز وجل فيهم الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ الآية، ثم قال: «دونكم أخاكم» فاحتملناه إلى الماء فغسّلناه وكفّنّاه، وحملناه إلى القبر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على شفير القبر فقال:«الحدوا ولا تشقوا، فإن اللحد لنا والشق لغيرنا» .
- روى ابن مردويه
…
عن عبد الله بن سخبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي فشكر، ومنع فصبر، وظلم فاستغفر، وظلم فغفر» وسكت قال: فقالوا: يا رسول الله ما له؟ قال: أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.
ومن أجل أن يتحرر الإنسان من كل مظهر من مظاهر الشرك لا بد له من علم وذكر، ولا بد له من معرفة بالله عقلية وقلبية، ومعرفة بشريعته والتزام بها.
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ. أي: لإبراهيم كُلًّا هَدَيْنا. أي:
هديناهم كلهم وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ. أي: وهدينا نوحا من قبل إبراهيم وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ يحتمل أن يكون ومن ذريّة نوح، ويحتمل أن يكون ومن ذريّة إبراهيم. قال النسفي: والأول أظهر لأن يونس ولوطا لم يكونا من ذرية إبراهيم.
أقول: الملاحظ أن كتب العهد القديم تعتبر يونس من ذرية إبراهيم قال الألوسي: ومن الناس من ادّعى أن يونس من ذرية إبراهيم وصرّح في جامع الأصول أنه كان من الأسباط زمن شعيا، وأما لوط فهو ابن أخي إبراهيم فإما أن نقول: دخل في الذرية تغليبا، وإما أن نقول دخل في الذرية لأنه من المستجيبين لإبراهيم فأخذ حكم الذرية وهذا كله على القول الثاني داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ.
أي: وهدينا من ذريته هؤلاء وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. أي: ومثل ذلك الجزاء نجزي المحسنين، ويحتمل أن يكون المراد باسم الإشارة هداية الذرية، أو الهداية، فيكون
المعنى أن من أحسن نهدي له من ذريته، وذلك من جزائه، أو أن من أحسن يستحق الهداية كالمذكورين
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ.
أي: كلهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات لأنّه لا صلاح إلا بهذا
وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ. أي: بالنّبوة والرّسالة
وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ. أي: كذلك فضّلناهم على العالمين وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. أي: إلى الإسلام الذي هو دين الله الواحد في كل العصور
ذلِكَ هُدَى اللَّهِ. أي: ما دان به هؤلاء المذكورون هو دين الله وهديه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فضلا ويضل من يشاء عدلا وَلَوْ أَشْرَكُوا.
أي: مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات العلى لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. أي: لبطلت أعمالهم
أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ. أي: جنس الكتاب ممّا ينزله الله من وحي وَالْحُكْمَ. أي: الحكمة أو المراد به فهم الكتاب لما يترتب عليه من قدرة على الحكم السديد وَالنُّبُوَّةَ وهي أعلى مراتب البشر، وأرقى مقامات العبودية لله فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ. أي: فإن يكفر بالكتاب والحكم والنبوة هؤلاء من قريش، وغيرهم من سائر أهل الأرض فَقَدْ وَكَّلْنا بِها