الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك تَضَرُّعاً وَخِيفَةً أي متضرعا وخائفا وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ أي ومتكلما كلاما دون الجهر لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى حسن التفكر بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ أي بالصباح والمساء لفضل هذين الوقتين. ومعنى بالغدو أي بأوقات الغدو وهو الصباح، والآصال جمع
أصل والأصل جمع أصيل وهو العشي وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ أي من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ أي الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ أي لا يتعظمون عنها وَيُسَبِّحُونَهُ أي وينزهونه عما لا يليق به وَلَهُ يَسْجُدُونَ أي ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره.
نقول:
1 -
بمناسبة قوله تعالى هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
قال صاحب الظلال:
«إنه هذا القرآن .. بصائر تهدي، ورحمة تفيض .. لمن يؤمن به، ويغتنم هذا الخير العميم .. إنه هذا القرآن الذي كان الجاهلون من العرب- في جاهليتهم- يعرضون عنه، ويطلبون خارقة من الخوارق المادية مثل التي جرت على أيدي الرسل من قبل، في طفولة البشرية، وفي الرسالات المحلية غير العالمية والتي لا تصلح إلا لزمانها ومكانها، ولا تواجه إلا الذين يشاهدونها، فكيف بمن بعدهم من الأجيال، وكيف بمن وراءهم من الأقوام الذين لم يروا هذه الخارقة.
إنه هذا القرآن الذي لا تبلغ خارقة مادية من الإعجاز ما يبلغه .. من أي جانب من الجوانب شاء الناس المعجزة في أي زمان وفي أي مكان .. لا يستثنى من ذلك من كان من الناس ومن يكون إلى آخر الزمان.
فهذا جانبه التعبيري .. ولعله كان بالقياس إلى العرب في جاهليتهم أظهر جوانبه- بالنسبة لما كانوا يحفلون به من الأداء البياني، ويتفاخرون به في أسواقهم! - ها هو ذا كان وما يزال إلى اليوم معجزا لا يتطاول إليه أحد من البشر. تحداهم الله به وما يزال هذا التحدي قائما. والذين يزاولون فن التعبير من البشر، ويدركون مدى الطاقة البشرية فيه، هم أعرف الناس بأن هذا الأداء القرآني معجز معجز .. سواء كانوا يؤمنون بهذا الدين عقيدة أو لا يؤمنون .. فالتحدي في هذا الجانب قائم على أسس
موضوعية يستوي أمامها المؤمنون والجاحدون .. وكما كان كبراء قريش يجدون من هذا القرآن- في جاهليتهم- ما لا قبل لهم بدفعه عن أنفسهم. وهم جاحدون كارهون- كذلك يجد اليوم وغدا كل جاهلي جاحد كاره ما وجد الجاهليون الأولون.
ويبقى وراء ذلك السر المعجز في هذا الكتاب الفريد .. يبقى ذلك السلطان الذي له على الفطرة- متى خلي بينها وبينه لحظة- وحتى الذين رانت على قلوبهم الحجب، وثقل فوقها الركام، تنتفض قلوبهم أحيانا؛ وهم يستمعون إلى هذا القرآن.
إن الذين يقولون كثيرون .. وقد يقولون كلاما يحتوي مبادئ ومذاهب وأفكارا واتجاهات .. ولكن هذا القرآن يتفرد في إيقاعاته على فطرة البشر وقلوبهم فيما يقول! إنه قاهر غلاب بذلك السلطان الغلاب! .. ولقد كان كبراء قريش يقولون لأتباعهم الذين يستخفونهم ويقولون لأنفسهم في الحقيقة .. لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ .. لما كانوا يجدونه هم في نفوسهم من مس هذا القرآن وإيقاعه الذي لا يقاوم وما يزال كبراء اليوم يحاولون أن يصرفوا القلوب عن هذا القرآن بما ينزلونه لهم من مكاتيب! غير أن هذا القرآن يظل- مع ذلك كله- غلابا .. وما إن تعرض الآية منه أو الآيات في ثنايا قول البشر، حتى تتميز وتنفرد بإيقاعها وتستولي على الحس الداخلي للسامعين، وتنحى ما عداها من قول البشر المحبر الذي تعب فيه القائلون.
ثم يبقى وراء ذلك مادة هذا القرآن وموضوعه .. وما تتسع صفحات عابرة- في ظلال القرآن- للحديث عن مادة هذا القرآن وموضوعه .. فالقول لا ينتهي والمجال لا يحد! وماذا الذي يمكن أن يقال في صفحات؟!
منهج هذا القرآن العجيب، في مخاطبة الكينونة البشرية بحقائق الوجود .. وهو منهج يواجه هذه الكينونة بجملتها، لا يدع جانبا واحدا منها لا يخاطبه في السياق الواحد.
ولا يدع نافذة واحدة من نوافذها لا يدخل منها إليها؛ ولا يدع خاطرا فيها لا يجاوبه ولا يدع هاتفا فيها لا يلبيه.
منهج هذا القرآن العجيب، وهو يتناول قضايا هذا الوجود، فيكشف منها ما تتلقاه فطرة الإنسان وقلبه وعقله بالتسليم المطلق. والتجاوب الحي والرؤية الواضحة.
وما يطابق كذلك حاجات هذه الفطرة، ويوقظ فيها طاقاتها المكنونة، ويوجهها الوجهة الصحيحة. منهج هذا القرآن العجيب، وهو يأخذ بيد الفطرة الإنسانية خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة، ويصعد بها- في هينة ورفق، وفي حيوية كذلك وحرارة،
وفي وضوح وعلى بصيرة- درجات السلم في المرتقى الصاعد، إلى القمة السامقة .. في المعرفة والرؤية، وفي الانفعال والاستجابة، وفي التكيف والاستقامة، وفي اليقين والثقة، وفي الراحة والطمأنينة
…
إلى حقائق هذا الوجود الصغيرة والكبيرة.
منهج هذا القرآن العجيب، وهو يلمس الفطرة الإنسانية، من حيث لا يحتسب أحد من البشر أن يكون هذا موضع لمسة، أو أن يكون هذا وتر استجابة فإذا الفطرة تنتفض وتصوت وتستجيب. ذلك أن منزل هذا القرآن هو خالق هذا الإنسان الذي يعلم من خلق وهو أقرب إليه من حبل الوريد.
ذلك المنهج؟ .. أم المادة ذاتها التي يعرضها القرآن في هذا المنهج وهنا ذلك الانفساح الذي لا يبلغ منه القول شيئا .. قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً .. وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ.
إن الذي يكتب هذه الكلمات، قضى .. - ولله الحمد والمنة- في الصحبة الواعية الدارسة لهذا الكتاب خمسة وعشرين عاما. يجول في جنبات الحقائق الموضوعية لهذا الكتاب. في شتى حقول المعرفة الإنسانية- ما طرقته معارف البشر وما لم تطرقه- ويقرأ في الوقت ذاته ما يحاوله البشر من بعض هذه الجوانب .. ويرى .. يرى ذلك
الفيض الغامر المنفسح الواسع في هذا القرآن؛ وإلى جانبه تلك البحيرات المنعزلة، وتلك النقرة الصغيرة .. وتلك المستنقعات الآسنة أيضا:
في النظرة الكلية في هذا الوجود، وطبيعته، وحقيقته، وجوانبه، وأصله، ونشأته، وما وراءه من أسرار؛ وما في كيانه من خبايا ومكنونات، وما يضمه من أحياء وأشياء .. الموضوعات التي تطرق جوانب منها «فلسفة» البشر.
في النظرة الكلية إلى «الإنسان» ونفسه، وأصله، ونشأته، ومكنونات طاقته، ومجالات نشاطه، وطبيعة تركيبه، وانفعالاته، واستجاباته، وأحواله، وأسراره،.
الموضوعات التي تطرق جوانب منها علوم الحياة والنفس والتربية والاجتماع والعقائد والأديان.
في النظرة إلى نظام الحياة الإنسانية وجوانب النشاط الواقعي فيها، ومجالات الارتباط والاحتكاك، والحاجات المتجددة وتنظيم هذه الحاجات، الموضوعات التي تطرق
جوانب منها النظريات والمذاهب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ..
وفي كل حقل من هذه الحقول يجد الدارس الواعي لهذا القرآن وفرة من النصوص والتوجيهات يحار في كثرتها ووفرتها، فوق ما في هذه الوفرة من أصالة وصدق وعمق وإحاطة ونفاسة.
إننى لم أجد نفسي مرة واحدة- في مواجهة هذه الموضوعات الأساسية- في حاجة إلى نص واحد من خارج هذا القرآن. فيما عدا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من آثار هذا القرآن- بل إن أي قول آخر ليبدو هزيلا- حتى لو كان صحيحا- إلى جانب ما يجده الباحث في هذا الكتاب العجيب.
إنها الممارسة الفعلية التي تنطق بهذه التقريرات؛ والصحبة الطويلة في ظل حاجات الرؤية والبحث والنظر في هذه الموضوعات .. وما بي أن أثني على هذا الكتاب .. ومن أنا ومن هؤلاء البشر جميعا ليضيفوا إلى كتاب الله شيئا بما يملكون من هذا الثناء.
لقد كان هذا الكتاب هو مصدر المعرفة والتربية والتوجيه والتكوين الوحيد لجيل من البشر فريد .. جيل لم يتكرر بعد في تاريخ البشرية- لا من قبل ولا من بعد- جيل الصحابة الكرام الذين أحدثوا في تاريخ البشرية ذلك الحدث الهائل العميق الممجد، الذي لم يدرس حق دراسته إلى الآن.
لقد كان هذا المصدر هو الذي أنشأ- بمشيئة الله وقدره- هذه المعجزة المجسمة في عالم البشر. وهي المعجزة التي لا تطاولها جميع المعجزات والخوارق التي صحبت الرسالات جميعا .. وهي معجزة واقعة مشهودة .. أن كان ذلك الجيل الفريد ظاهرة تاريخية فريدة.
ولقد كان المجتمع الذي تألف من ذلك الجيل أول مرة، والذي ظل امتداده أكثر من ألف عام، تحكمه الشريعة التي جاء بها هذا الكتاب، ويقوم على قاعدة من قيمه وموازينه وتوجيهاته وإيحاءاته كان هذا المجتمع معجزة أخرى في تاريخ البشرية. حين تقارن إليه صور المجتمعات البشرية، التي تفوقه في الامكانيات المادية- بحكم نمو التجربة البشرية في عالم المادة- ولكنها لا تطاوله في «الحضارة الإنسانية» .
إن الناس اليوم،- في الجاهلية الحديثة- يطلبون حاجات نفوسهم ومجتمعاتهم وحياتهم خارج هذا القرآن كما كان الناس في الجاهلية العربية يطلبون خوارق غير هذا
القرآن! ..
فأما هؤلاء فقد كانت تحول جاهليتهم الساذجة وجهالتهم العميقة- كما تحول أهواؤهم ومصالحهم الذاتية كذلك- دون رؤية الخارقة الهائلة في هذا الكتاب العجيب! ..
فأما أهل الجاهلية الحاضرة فيحول بينهم وبين هذا القرآن غرور «العلم البشري» الذي فتحه الله عليهم في عالم المادة. وغرور التنظيمات والتشكيلات المعقدة بتعقيد الحياة البشرية اليوم ونموها ونضجها من ناحية التنظيم والتشكيل. وهو أمر طبيعي مع امتداد الحياة وتراكم التجارب وتجدد الحاجات- وتعقدها كذلك- كما يحول بينهم وبين هذا القرآن كيد أربعة عشر قرنا من الحقد اليهودي، والصليبي، الذي لم يكف لحظة واحدة عن حرب هذا الدين وكتابه القويم وعن محاولة إلهاء أهله عنه وإبعادهم عن توجيهه المباشر بعد ما علم اليهود والصليبيون من تجاربهم الطويلة: أن لا طاقة لهم بأهل هذا الدين ما ظلوا عاكفين على هذا الكتاب عكوف الجيل الأول لا عكوف التغني بآياته وحياتهم كلها بعيدة عن توجيهاته، هو كيد مطرد مصر لئيم خبيث .. ثمرته النهائية هذه الأوضاع التي يعيش فيها الناس الذين يسمون اليوم بالمسلمين- وهذه المحاولات الأخرى في كل مكان، للتعفية على آثار هذا الدين ولتدارس قرآن غير قرآنه يرجع إليه في تنظيم الحياة كلها، ويرد إليه كل اختلاف وكل نزاع في التشريع والتقنين لهذه الحياة كما كان المسلمون يرجعون إلى كتاب الله في هذه الشئون!!!.
إنه هذا القرآن الذى يجهله أهله اليوم لأنهم لا يعرفونه إلا تراتيل وترانيم وتعاويذ وتهاويم بعد ما صرفتهم عنه قرون من الكيد اللئيم ومن الجهل المزري ومن التعالم المغرور ومن الفساد الشامل للفكر والقلب والواقع النكد الخبيث.
إنه هذا القرآن الذي كان الجاهليون القدامى يصرفون عنه الجماهير بطلب الخوارق المادية والذي يصرف عنه الجاهليون المحدثون الجماهير بالقرآن الجديد الذي يفترونه وبشتى وسائل الإعلام والتوجيه إنه هذا القرآن الذي يقول عنه العليم الخبير: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. بصائر تكشف وتنير وهدى يرشد ويهدي ورحمة تغمر وتفيض لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فهم الذين يجدون هذا كله في هذا القرآن الكريم».
2 -
.. وبمناسبة قوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ. قال الألوسي وهو من الحنفية: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي لكي تفوزوا بالرحمة التي هي أقصى ثمراته، والآية دليل لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في أن المأموم لا يقرأ في سرية ولا جهرية؛ لأنها تقتضي وجوب الاستماع عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها؛ وقد قام الدليل في غيرها على جواز الاستماع وتركه فبقي فيها على حاله في الإنصات للجهر وكذا في الإخفاء لعلمنا بأنه يقرأ، ويؤيد ذلك أخبار جمة، فقد أخرج عبد بن حميد. وابن أبي حاتم. والبيهقي في سننه عن مجاهد قال: قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فنزلت وإذا قرئ القرآن الخ.
وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن مسعود أنه صلى بأصحابه فسمع أناسا يقرءون خلفه فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفهموا، أما آن لكم أن تعقلوا وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا كما أمركم الله تعالى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت قال: لا قراءة خلف الإمام. وأخرج أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» وهذا الحديث إذا صح وجب أن يخص عموم قوله تعالى:
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بقراءة» على طريقة الخصم مطلقا فيخرج المقتدي، وعلى طريقتنا أيضا، لأن ذلك العموم قد خص منه البعض وهو المدرك في الركوع إجماعا فجاز التخصيص بعده بالمقتدي بالحديث المذكور، وكذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام للمسيئ صلاته:«فكبر ثم اقرأ ما معك من القرآن» على غير حالة الاقتداء جمعا بين الأدلة، بل قد يقال: إن القراءة ثابتة من المقتدي شرعا فإن قراءة الإمام قراءة له فلو قرأ لكان له قراءتان في صلاة واحدة وهو غير مشروع. بقي الكلام في تصحيح الخبر، وقد روي من طرق عديدة مرفوعا عن جابر رضي الله عنه، عنه عليه الصلاة والسلام وقد ضعف. واعترف المضعفون لرفعه كالدارقطني. والبيهقي. وابن عدي بأن الصحيح أنه مرسل لأن الحفاظ كالسفيانين.
وأبي الأحوص وشعبة. وإسرائيل. وشريك. وجرير. وأبي الزبير. وعبد بن حميد وخلق آخرين رووه عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلوه، وقد أرسله مرة أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: وحينئذ لنا أن نقول المرسل حجة عند أكثر أهل العلم فيكفينا فيما يرجع إلى العمل على رأينا وعلى طريق الإلزام أيضا بإقامة الدليل على حجية المرسل أيضا، وعلى تقدير التنزل عن حجيته فقد رفعه الإمام بسند صحيح.
روى محمد بن الحسن في موطئه قال: أنبأنا أبو حنيفة حدثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة» . وقولهم: إن الحفاظ الذين عدوهم لم يرفعوه غير صحيح. فقد قال أحمد بن منيع في مسنده: أخبرنا إسحاق الأزرق حدثنا سفيان.
وشريك عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» . ثم قال: وحدثنا جرير عن موسى عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ولم يذكر جابرا- ورواه عبد بن حميد قال: حدثنا أبو نعيم حدثنا الحسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وإسناد حديث جابر الأول على شرط الشيخين والثاني على شرط مسلم، فهؤلاء سفيان وشريك. وجرير. وأبو الزبير رفعوه بالطرق الصحيحة فبطل عدهم فيمن لم يرفعه، ولو تفرد الثقة وجب قبوله لأن الرفع زيادة وزيادة الثقة مقبولة فكيف ولم ينفرد، والثقة قد يسند الحديث تارة ويرسله أخرى. وأخرجه ابن عدي عن الإمام رضي الله تعالى عنه في ترجمته وذكر فيها قصة وبها أخرجه أبو عبد الله الحاكم قال: حدثنا أبو محمد بن بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي حدثنا عبد الصمد بن الفضل البلخي حدثنا مكي بن إبراهيم عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن جابر ابن عبد الله «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ورجل خلفه يقرأ فجعل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن القراءة في الصلاة فلما انصرف أقبل عليه الرجل قال: أتنهاني عن القراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعا حتى ذكرا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: «من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة» وفي رواية لأبي حنيفة: «إن ذلك كان في الظهر أو العصر» وهي أن رجلا قرأ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر فأومأ إليه رجل فنهاه فلما انصرف قال: أتنهاني الحديث. نعم إن جابرا روى منه محل الحكم فقط تارة والمجموع تارة ويتضمن رد القراءة خلف الإمام لأنه خرج تأييدا لنهي ذلك الصحابي عنها مطلقا في السرية والجهرية خصوصا في رواية أبي حنيفة أن القصة كانت في السرية لا إباحة فعلها وتركها فيعارض بما روي في بعض روايات حديث «ما لي أنازع في القرآن» أنه قال:
أنه لا بد ففي الفاتحة، وكذا ما رواه أبو داود. والترمذي عن عبادة بن الصامت قال:
كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم هذا، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها؛ ويقدم لتقدم المنع على الإطلاق عند التعارض