الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شكره، ومن لم تستجلب آيات الله في كتابه شكره فأي قلب عاق قلبه؟.
كلمة في السياق:
1 -
في سورة البقرة جاءت قصة آدم بعد قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وفي سورة الأعراف جاءت قصة آدم بعد قوله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ
وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ
وفي سورة البقرة جاءت قصة آدم، وبعدها مباشرة خطاب لبني إسرائيل، وهاهنا تأتي قصة آدم وبعدها خطابات لبني آدم، ثم عرض لقصص أقوام انحرفوا عن أمر الله ثم تأتي قصة بني إسرائيل، فههنا تفصيل لمحور السورة وامتداداته وارتباطاته، وهاهنا بناء عليه ودروس في شأنه.
2 -
بدأت السورة آمرة باتباع ما أنزل الله، ناهية عن اتخاذ غيره وليا من دونه، وأنذرت وذكرت بما فعل بالأقوام الذين اتخذوا من دون الله أولياء، ثم ذكرت بأن حكمة الله في استخلاف الإنسان والتمكين له هى استخراج شكره. ثم قصت علينا قصة آدم وفيها على لسان الشيطان وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ثم انتهى المقطع بقوله تعالى كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ
فما خلق الله للإنسان فمن أجل استخراج شكره، وما أنزل عليه من آيات فمن أجل استخراج شكره، ومقدمة السورة والمقطع الأول فيها يبينان طريق الشكر، وما يتنافى معه.
3 -
في بداية المقطع حديث عن الخروج من الجنة وأسباب ذلك، وفي أواسط المقطع حديث عن العودة إلى الجنة، وحديث عن النار، وفيما بين ذلك وبعده حديث عن طريق ذلك. فالمقطع له وحدته وله صلاته بمقدمة السورة، وهو والمقدمة كالمقدمة لما يأتي بعد ذلك من السورة، ولنا عودة إلى السياق فلنبدأ بعرض المعنى الحرفي للمقطع:
المعنى الحرفي للفقرة الأولى:
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ أي جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا، أو أقدرناكم على التصرف فيها وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ المعايش جميع معيشة وهي ما يعاش به من
المطاعم والمشارب وغيرهما قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي شكركم قليل، أي تشكرون شكرا قليلا.
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ أي خلقنا أباكم آدم عليه السلام طينا غير مصور ثم صورناه بعد ذلك، أو خلقناكم في أصلاب الرجال وصورناكم في أرحام النساء، أو الخلق لآدم والتصوير للذرية. ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ أي لم يكن ممن سجد لآدم عليه السلام.
قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ أي أي شئ منعك من السجود إِذْ أَمَرْتُكَ السؤال عن المانع من السجود- مع علمه به- للتوبيخ، ولإظهار معاندته، وكفره، وكبره، وافتخاره بأصله، وتحقيره أصل آدم، وفي الآية دليل لمن ذهب من الأصوليين إلى أن الأمر يفيد الوجوب قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وهي جوهر نوراني وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ أي وهو ظلماني، وفي الفوائد كلام عن هذا.
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها أي إن كنت تتكبر فاهبط من الجنة أو من السماء لأنه كان فيها وهي مكان المطيعين والمتواضعين فَما يَكُونُ لَكَ أي فما يصح لك أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها- أي وتعصي فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ أي من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه، يذمك كل إنسان ويلعنك كل لسان لتكبرك، وبه يعلم أن الصغار ملازم للاستكبار
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي أمهلني إلى يوم البعث، والبعث وقت النفخة الأخيرة
قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إلى النفخة الأولى، وإنما أجيب إلى ذلك لما فيه من الابتلاء وفيه تقريب لقلوب الأحباب أي هذا بريء بمن يسيئني فكيف بمن يحبني، وإنما جسره على السؤال مع وجود الزلل منه في الحال علمه بحلم ذي الجلال
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي أي أضللتني. أي فبسبب إغوائك إياي أقسم لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ أي لأعترضن لهم على طريق الإسلام، مترصدا للرد، متعرضا للصد، كما يتعرض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ بأن أشككهم بالآخرة وَمِنْ خَلْفِهِمْ بأن أرغبهم في الدنيا وَعَنْ أَيْمانِهِمْ أي من قبل الحسنات وَعَنْ شَمائِلِهِمْ أي من قبل السيئات، ولم يقل من فوقهم ومن تحتهم لمكان الرحمة والسجدة: واستعمال عن حين الكلام عن الأيمان والشمائل لأنها تدل على الانحراف وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ أي مؤمنين، قال ظنا فأصاب ظنه. قال تعالي في سورة سبأ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ
قالَ اخْرُجْ مِنْها أي من الجنة أو السماء مَذْؤُماً أي معيبا مَدْحُوراً أي مطرودا مبعدا من رحمة الله أقسم لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أي منك وممن تبعك أَجْمَعِينَ بدون
استثناء
وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ قال الله هذا لآدم بعد إخراج إبليس من الجنة، اتخذ أنت وزوجك الجنة مسكنا فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا أي فتصيرا مِنَ الظَّالِمِينَ بمعصيتكما الله إن خالفتما أمره
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي ألقى إليهما الوسوسة، والوسوسة الكلام الخفي المكرر الملقى بغير اتئاد أى بعجلة لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما أي يكشف لهما ما ستر عنهما من عوراتهما، وفيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور، وأنه لم يزل سترها مستقيما في الطباع والعقول وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أي إلا كراهة أن تكونا ملكين تعلمان الخير والشر وتستغنيان عن الغذاء أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ أي من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين
وَقاسَمَهُما أي وأقسم لهما وصدقاه فشاركاه في القسم بتحقيق ما يراد القسم له ولذلك استعملت صيغة المفاعلة للدلالة على هذا المعنى إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فإني من قبلكما هاهنا، وأعلم بهذا المكان
فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ أي فزلهما إلى الأكل من الشجرة بما غرهما به من القسم بالله، وإنما يخدع المؤمن بالله ولم يكونا يظنان أن أحدا يحلف بالله كاذبا فوقعا في المعصية، فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ أي وجدا طعمها آخذين في الأكل منها بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي: ظهرت لهما عوراتهما؛ لتهافت اللباس عنهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وَطَفِقا أى جعلا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي يجعلان على عورتهما من ورق الجنة ورقة فوق ورقة ليستترا بها كما تخصف النعل أي ترقع وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ هذا عتاب من الله وتنبيه على الخطأ
قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ وكان في هذا توبتهما قال النسفي (وفيه دليل على المعتزلة لأن الصغائر عندهم مغفورة أى بلا توبة) وهذا يعني أنه اعتبر فعل آدم صغيرة
قالَ اهْبِطُوا الخطاب لآدم وحواء بلفظ الجمع لأن إبليس هبط من قبل، ويحتمل أنه هبط إلى السماء ثم هبطوا جميعا إلى الأرض بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أي: متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي استقرار أو موضع استقرار وَمَتاعٌ أي: وانتفاع عيش إِلى حِينٍ أي إلى انقضاء آجالكم
قالَ فِيها أي في الأرض تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ مبعوثين للثواب والعقاب. وبهذا تمت الفقرة الأولى من هذا المقطع وفيها كما قال صاحب