الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة: هناك خلاف حول الكاف في قوله تعالى كَما أَخْرَجَكَ ونقدم بين يدي
المعني العام
نقلين عن الألوسي في هذه الكاف كمقدمة للدخول إلى معاني المقطع.
قال الألوسي: (والكاف يستدعي مشبها وهو غير مصرح به في الآية وفيه خفاء، ومن هنا اختلفوا في بيانه، وكذا في إعرابه على وجوه، فاختار بعضهم أنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه، أي حالهم هذه في كراهة ما وقع في أمر الأنفال كحال إخراجك من بيتك في كراهتهم له، وإلى هذا يشير كلام الفراء حيث قال: الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه صلى الله عليه وسلم من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها مع أنه أولى بحالهم، أو أنه صفة مصدر الفعل المقدر في «لله والرسول» أي الأنفال ثبتت لله تعالى وللرسول عليه الصلاة والسلام مع كراهتهم ثباتا كثبات إخراجك وضعف هذا ابن الشجري».
«وقال أبو حيان: خطر لي في المنام أن هنا محذوفا وهو نصرك، والكاف فيها معنى التعليل أي لأجل أن خرجت لإعزاز دين الله تعالى نصرك وأمدك بالملائكة، ودل على هذا المحذوف قوله سبحانه بعد: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ الآيات ولو قيل: إن هذا مرتبط بقوله سبحانه رِزْقٌ كَرِيمٌ على معنى رزق حسن كحسن إخراجك من بيتك لم يكن بأبعد من كثير من هذه الوجوه).
المعنى العام:
يذكر الله عز وجل في هذا المقطع نموذجا لكيفية كون القتال فيه الخير للمسلمين، وإن كانت الأنفس في الأصل تكره القتال، هذا النموذج هو ما حدث يوم بدر؛ إذ كره بعض المسلمين الخروج لقتال الأعداء أصحاب الشوكة وهم النفير الذين خرجوا لنصرة الكفر وإحراز عيرهم، فكان أن قدر الله القتال، وجمع به بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، فكان عاقبة ذلك رشدا وهدى، ونصرا وفتحا، وآثارا قريبة لصالح الإسلام والمسلمين، وآثارا بعيدة فيها صالح الإسلام والمسلمين، وذلك أن المسلمين بعد بدر كانت بدر هي قدوتهم، وهي التي تجرّئهم على القتال، وإن قل العدد وقلت العدد.
بدأ المقطع بالتذكير بكراهية المؤمنين للقتال قبيل بدر؛ لأنهم كانوا يطمعون بعير قريش فلما فاتتهم العير، وأيقنوا القتال مع الجيش المشرك الذي جاء لإنقاذ قافلة قريش، وتيقن المسلمون القتال، كرهوا ذلك وأخذوا يجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضوع القتال، محتجين أنهم ليسوا على استعداد له، وهالهم القتال لدرجة أنهم ظنوا القتال هو الموت بعينه، وإذا بالمسألة خلاف ذلك، فكان قتال وكان نصر، وكانت هزيمة للمشركين. وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون، ولم يقتل من المسلمين إلا القليل على قلة العدد والعدد، وكان في ذلك عز الإسلام والمسلمين والانطلاقة الأولى لمجد الإسلام والمسلمين.
وفي هذا السياق نفسه ذكر الله عز وجل المسلمين كيف أنه وعد رسوله صلى الله عليه وسلم والجماعة المؤمنة أحد شيئين في خروجهم ذلك، إما أن يعطيهم قافلة المشركين بما فيها، وإما أن ينصرهم على جيش المشركين، وقد رغبت أنفس المسلمين بالقافلة إذ لا قتال ولا مشقة ولا مخاطرة، فهم يحبون إذن أن يكون لقاؤهم مع الطائفة التي لا حول لها ولا منعة ولا قتال، وهي القافلة التي فيها عير قريش وتجارتها، ولكن مراد الله كان غير ذلك، فالله أراد أن يجمع بينهم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال لينصر المسلمين عليهم، فيظهر دينه، ويرفع كلمة الإسلام، ويجعله عاليا على الأديان. وهو أعلم بعواقب الأمور. وهو الذي يدبر للمسلمين فيحسن التدبير. وإن كان العباد يحبون السلامة فيما يظهر لهم؛ وكان أن تحقق بمراد الله إلقاء الرعب في قلوب المشركين، وتحصيل الهيبة للمسلمين، وتشجيع المسلمين على خوض غمار كل حرب، واستئصال شوكة الشرك، وقتل زعمائه، وفتح الطريق للفتوحات العسكرية الكبرى فيما بعد.
فهل الخير كان في القتال يوم بدر أو في غيره؟ هل الخير كان فيما أحبوه أو كرهوه؟
إذن فالقتال في سبيل الله هو الذي يجب أن يألفه المسلمون، وأن يحملوا أنفسهم عليه.
ثم ذكر الله المسلمين بموقف من مواقف بدر، كيف أنه استجاب دعاء المسلمين وأمدهم بالملائكة، وأنزل عليهم النعاس ليلة المعركة، وأنزل المطر صبيحة المعركة، وكان ذلك لصالحهم. وألقى في قلوب الكافرين الرعب بسبب حربهم لله ورسوله، وكان من آثار ذلك كله النصر للمؤمنين، والهزيمة للكافرين؛ عقوبة لهم، ولعقوبة الله يوم القيامة أكبر. وبالتذكير بهذه المعاني تظهر حكمة أخرى من حكم فرضية القتال، وهي تحقيق النصر للإسلام والمسلمين، وإنزال الهزيمة بالكفر والكافرين، وتعذيب الكافرين بأيدي
المؤمنين؛ جزاء لهم على مواقفهم من دعوة الله ودينه، وفي كل ذلك خير لا يحصل بدون القتال، فأنت ترى أنه من خلال استعراض هذه المعاني المرتبطة بقضية بدر تظهر حكمة فرضية القتال، وكيف أن الخير فيها رغم كراهية الأنفس للقتال، لما فيه من مخاطرة ومغامرة. وفي المقطع معان أخرى ستظهر من خلال ما يأتي من أسباب نزول، أو تفسير حرفي، أو فوائد، وقبل أن نبدأ بذكر المعنى الحرفي نحب أن نذكر رواية ابن إسحاق في الكلام عن المرحلة التي سبقت موقعة بدر.
رواية ابن إسحاق: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم. وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها، فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعضهم. وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا، وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى أهله مكة، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى بلغ واديا يقال له ذفران، فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن.
ثم قام عمر رضي الله عنه فقال فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله به فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد، (مدينة في الحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اشيروا علي أيها الناس» . وإنما يريد الأنصار. وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال