الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ أي برسالة صالح كافِرُونَ قالوا هذا مع وضوح الآية وظهور الحجة- فعليهم اللعنة-
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ أي قتلوها وذبحوها ومع أن العاقر واحد منهم فإنه قد نسب الفعل إلى جميعهم لأنه كان برضاهم. قال قتادة: بلغني أن من قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن، وعلى الصبيان جميعهم وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ أي وتولوا عن دين ربهم واستكبروا عنه، ويمكن أن يكون المراد بأمر الله أمره لهم في أمر الناقة أن يذروها تأكل في أرض الله وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا أي من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ أي في بلادهم أو مساكنهم جاثِمِينَ أي ميتين يقال: الناس جثم أي:
قعود لا حراك بهم ولا يتكلمون
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ أي لما عقروا الناقة وَقالَ عند فراقه إياهم يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ أي الآمرين بالهدى وسبب عدم حب الناصح استحلاء الهوى، ولم يزل الناس قديما وحديثا هذا دأبهم يستثقلون النصيحة حتى المؤمنون منهم إلا الصديقون فما بالك بالكافرين. قال النسفي: والنصيحة
منيحة تدرأ الفضيحة، ولكنها وخيمة تورث السخيمة.
أقول: إلا إذا كان المنصوح صديقا والناصح مخلصا.
فوائد:
1 -
قال صاحب الظلال: (ولا يذكر السياق هنا أين كان موطن ثمود ولكنه يذكر في سورة أخرى أنهم كانوا في الحجر- وهي بين الحجاز والشام- ونلمح من تذكير صالح لهم أثر النعمة والتمكين في الأرض لثمود، كما نلمح طبيعة المكان الذي يعيشون فيه فهو سهل وجبل، وقد كانوا يتخذون في السهل القصور، وينحتون في الجبال البيوت فهي حضارة عمرانية واضحة المعالم في هذا النص القصير، وصالح يذكرهم استخلاف الله لهم من بعد عاد وإن لم يكونوا في أرضهم ذاتها ولكن يبدو أنهم كانوا أصحاب الحضارة العمرانية التالية في التاريخ لحضارة عاد وأن سلطانهم امتد خارج الحجر أيضا وبذلك صاروا خلفاء ممكنين في الأرض محكمين فيها وهو ينهاهم عن الانطلاق في الأرض بالفساد اغترارا بالقوة والتمكين وأمامهم العبرة ماثلة في عاد الغابرين).
2 -
قال ابن كثير: (قال علماء التفسير والنسب ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح وهو أخو جديس بن عاثر، وكذلك قبيلة طسم، كل هؤلاء كانوا أحياء من
العرب العاربة قبل إبراهيم الخليل عليه السلام، وكانت ثمود بعد عاد، ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام، إلى وادي القرى وما حوله) أقول: وعاثر المذكور في النسب يسميه سفر التكوين «جاثر» والمساكن التي ذكرها ابن كثير لا زالت موجودة وهي تثير دهشة الناظر للجهد الذي بذل فيها ولبقائها هذه الآلاف من السنين، وكأنها الآن منحوتة، والرحلة إليها سهلة وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يكون أدب المسلم. إذا رأى ديار الظالمين الهالكين أو مر بها.
فقد روى الإمام أحمد
…
عن ابن عمر قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها ونصبوا لها القدور، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل. ثم أرتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال: إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم». وروى الإمام أحمد أيضا
…
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر «ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم» وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيحين .. وله أيضا .... عن أبي كبشة الأنماري عن أبيه قال: لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس:«الصلاة جامعة» قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعنزة وهو يقول:
«ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم» فناداه رجل منهم: نعجب منهم يا رسول الله قال: «أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك: رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا. وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا» .
وأقول: إن بعض الناس يتشددون في المنع عن رؤية أثار هؤلاء الأقوام والذى يبدو لي- والله أعلم- أن رسولنا عليه الصلاة والسلام منع من النظرة التي لا يرافقها اعتبار كيف وإن معرفة هذه الآثار والكلام عنها- خاصة في عصرنا- فيه معنى التصديق لكتاب الله أمام المشككين الذين لم يتركوا شيئا إلا شككوا فيه.
3 -
ويعلمنا عليه الصلاة والسلام بمناسبة قصة ثمود ألا نسأل الله آية، فقد روى الإمام أحمد عن جابر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: «لا تسألوا الله