الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من صلحاء القرية الذين أيسوا من وعظهم بعد ما ركبوا الصعب والذلول في موعظتهم، الآخرين لا يقلعون عن وعظهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً وإنما قالوا ذلك لعلمهم أن الوعظ لا ينفع فيهم قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ أي نحن نفعل ذلك تقديما للعذر إلى الله لئلا ننسب في النهي عن المنكر إلى التفريط أي وعظناهم ليعذرنا الله وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي ولطمعنا في أن يتقوا
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أي أهل القرية لما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ أي من العذاب الشديد والذين قالوا (لم تعظون) من الناجين. فعن الحسن نجت فرقتان، وهلكت فرقة، وهم الذين أخذوا الحيتان وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا أي الراكبين للمنكر بِعَذابٍ بَئِيسٍ أي شديد بِما كانُوا
يَفْسُقُونَ
أي بخروجهم عن طاعة الله وأمره
فَلَمَّا عَتَوْا أي تمردوا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ عن الاعتداء في السبت قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ أي جعلناهم قردة أذلاء مبعدين. فهذا هو العذاب البئيس الذي أخذوا به وهو المسخ.
فوائد:
1 -
روى الإمام ابن بطة عن أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد جيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل» .
2 -
عن ابن عباس روايتان في هلاك الساكتين إحداهما: قال: «كانوا أثلاثا ثلث نهوا وثلث قالوا لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ وثلث أصحاب الخطيئة فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم. قال ابن كثير هذا إسناد جيد عن ابن عباس، ولكن رجوعه إلى رأي عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهذا لأنه تبين حالهم بعد ذلك.
3 -
أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل بني إسرائيل عن هذه القرية كما قلنا للتقريع والتذكير وإلا فقد أعلم الله رسوله بحالهم، ويبدو أن القصة مشهورة متداولة عند اليهود، ولذلك كان التذكير بها يؤدي غرضه في قلوبهم، إن كان لهم قلوب وليس في أسفار العهد القديم الموجودة بين أيدينا إشارة إلى هذه الحادثة. فلعل شهرتها عندهم ترجع إما لأنها متوارثة فيهم، أو لأنها مذكورة في كتبهم الأخرى. وقد ذكرنا في سورة البقرة النصوص التي تدل على أن من مسخ منهم مات بعد ثلاثة أيام. ولنذكر هنا ما رواه عبد الرزاق عن عكرمة عن ابن عباس في شأن هذه القرية. قال عكرمة: جئت
ابن عباس يوما وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنو منه ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك؟ قال:
فقال. هؤلاء الورقات. قال: وإذا هو في سورة الأعراف. قال: تعرف أيلة؟ قلت:
نعم. قال. فإنه كان بها حي من اليهود، وسبقت الحيتان إليهم يوم السبت، ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا بعد كد ومئونة شديدة، كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعا بيضاء سمانا كأنها الماخض تنتطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم. فكانوا كذلك برهة من الدهر إذ الشيطان أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت، فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام. فقالت ذلك طائفة منهم، وقالت طائفة بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت، فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفة ذات اليمين وتنحت، واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت وقال الأيمنون: ويلكم الله نهاكم أن تتعرضوا لعقوبة الله وقال الأيسرون: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قال الأيمنون مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي ينتهون فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم. فمضوا على الخطيئة، وقال الأيمنون فقد فعلتم يا أعداء الله، والله لنأتينكم الليلة في مدينتكم، والله ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب. فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا، فوضعوا سلما وأعلوا سور المدينة رجلا فالتفت إليهم فقال: أي عباد الله قردة، والله تعاوى لها أذناب قال ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القرود أنسابها من الإنس ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة، فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي فيقول: ألم ننهكم عن كذا فتقول برأسها أي نعم، ثم قرأ ابن عباس فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ قال: فأرى الذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها. قال: قلت: جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقالوا لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ قال فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين. وكذا روى مجاهد عنه.
4 -
مجئ هذه القصة هنا درس لمن خالف أمر الله بحيلة من الحيل فإذا فهمنا هذا الدرس على ضوء محور السورة نفهم أن هدى الله المنزل يجب أن يطبق بقوة. فليس الله كغيره. ولا أمر الله كأمر غيره.