الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها أي إذا فعلوا الفاحشة اعتذروا بأن آباءهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم، وبأن الله أمرهم بأن يفعلوها حيث أقرنا عليها؛ إذ لو كرهها لنقلنا عنها، وهما باطلان لأن أحدهما تقليد للجهال، والثاني افتراء على ذي الجلال قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ إذ المأمور به لا بد أن يكون حسنا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ هذا استفهام يفيد الإنكار والتوبيخ
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ أي بالعدل وبما هو حسن عند كل عاقل فكيف يأمر بالفحشاء وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ أي وقل أقيموا وجوهكم عند كل مسجد أي اقصدوا عبادته مستقيمين إليها غير عادلين إلى غيرها في كل وقت سجود أو في كل مكان سجود وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي واعبدوه مخلصين له الطاعة مبتغين بها وجهه خالصا كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ أي كما أنشاكم ابتداء يعيدكم. احتج عليهم في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق، والمعنى: أنه يعيدكم فيجازيكم عن أعمالكم فأخلصوا له العبادة
فَرِيقاً هَدى وهم المسلمون وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ وهم الكافرون إِنَّهُمُ أي الفريق الذي حق عليهم الضلالة اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي أنصارا فهذا سبب ضلالهم وإضلالهم وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وهذا حال كل كافر يكون على غاية الضلال ويظن أنه على غاية الهدى، ومنتهى الصواب، وعلى الذروة فى رجاحة العقل، وحسن التصرف، وغير ذلك مما يمليه الغرور فى ادعاء ألقاب وأوصاف، وإنما هي الضلال والضياع والعمى.
كلمة في السياق:
بعد أن بين الله عز وجل ما يبرر به الكافرون لأنفسهم ارتكابهم الفواحش، ورد عليهم، وكان من جملة الرد ما بينه في وصفه لنوعية أوامره من كونها من نوع القسط والعبادة والإخلاص والدعاء وكان من جملة ما يأمر به وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ بعد هذا كله يأتي النداء الثالث في المجموعة: آمرا بأخذ الزينة عند كل مسجد، وناهيا عن الإسراف في الطعام والشراب، فإذا كان ستر العورة مطلوبا خارج المسجد وخارج الصلاة. فمن باب أولى أن يكون مطلوبا في المسجد، وفي الصلاة، وإذا كان الطعام هو الذي جر أبانا إلى المعصية فعلينا ألا نسرف في الطعام والشراب؛ لأن الإسراف نفسه معصية، ويجر إلى المعاصي كذلك،
وهكذا يأتي الأمر الثالث بعد أن سبق بكثير من الموطئات التي توصل إليه: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِ
مَسْجِدٍ أي خذوا لباس زينتكم كلما صليتم، وأقل ذلك ستر العورة، والسنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئاته للصلاة؛ لأن الصلاة مناجاة الرب فيستحب لها التزين والتعطر كما يجب التستر والتطهر قال الألوسي في تفسير قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ: أي طواف أو صلاة، وإلى ذلك ذهب مجاهد. وأبو الشيخ وغيرهما، وسبب النزول على ما روي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه كان أناس من الأعراب، يطوفون بالبيت عراة، حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة، فتعلق على سفلها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجه الحمر من الذباب وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله
…
وما بدا منه فلا أحله
فأنزل الله تعالى هذه الآية، وحمل بعضهم الزينة على لباس التجمل لأنه المتبادر منه ونسب للباقر- رضي الله تعالى عنه- وروي عن الحسن السبط- رضي الله تعالى عنه- أنه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال: إن الله تعالى جميل يحب الجمال، فأتجمل لربي وهو يقول:
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فأحب أن ألبس أجمل ثيابي، ولا يخفى أن الأمر حينئذ لا يحمل على الوجوب لظهور أن هذا التزين مسنون لا واجب.
أقول: تسن الصلاة في النعال إذا كانت طاهرة، ولم يكن مكان الصلاة مفروشا، ولقد غلا ناس في هذا الشأن سلبا أو إيجابا، فلم يراع بعضهم ضرورة أن يكون المسجد نظيفا، ولم يراع بعضهم تغير الزمان، وتغير حال المساجد، وغاب عن بعضهم السنة حيث ينبغي تطبيقها. ثم قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا أي بالشروع في الحرام، أو مجاوزة الشبع، أو بتحريم الحلال إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ المتجاوزين ما أحل الله إلى ما حرم
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ أي من الثياب وكل ما يتجمل به، وفي الاستفهام إنكار على محرم الحلال الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ أي سخرها لهم بخلق أصلها كالقطن من الأرض والقز من الدود وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ أي والمستلذات من المآكل والمشارب قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا غير خالصة لهم لأن المشركين شركاؤهم فيها خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يشركهم فيها أحد، وقد نبه الله