الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
قال ابن كثير (وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام. قاله ابن عباس وغير واحد من علماء التفسير: وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور. فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين:
ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا. فلما تفاقم الأمر بعث الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة- رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله لا شريك له.)
3 -
وبمناسبة قوله تعالى: أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ قال ابن كثير: (وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا عالما بالله لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات كما جاء في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم عرفة- وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعا- «يا أيها الناس إنكم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكسها عليهم ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد).
ولنعد إلى التفسير:
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً أي وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحا عليه السلام كذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا، والمراد بقوله تعالى «أخاهم» أي واحدا منهم، وإنما جعل واحدا منهم لأنهم عن رجل منهم أفهم، فكانت الحجة عليهم ألزم قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ دعاهم إلى عبادة الله وتوحيده وحضهم على التقوى التي طريقها التوحيد والعبادة
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ أي الأشراف والسادة ممن كفر، وقد فهم بعضهم من وصف ملأ قوم هود بالذين كفروا، وعدم وصف قوم نوح بذلك، أن بعضا من أشراف عاد أسلموا، ولم يوجد من أشراف قوم نوح من أسلم إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ أي في خفة حلم وسخافة عقل حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر واستعمال «في» قبل كلمة «سفاهة» تفيد أنهم بالغوا في وصفه بالسفاهة حتى إنها محيطة به وهو متمكن فيها غير منفك عنها وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ أي في ادعائك الرسالة
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أي لكم فيما أدعوكم إليه قَوَّامِينَ* على ما أقول لكم، وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من ينسبهم إلى
الضلالة والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء، وترك المقابلة بما قالوا لهم، مع علمهم بأن خصومهم أضل الناس وأسفههم، أدب حسن، وخلق عظيم، وإخبار الله عن ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسلبون أذيالهم على ما يكون منهم
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ هذا يحتمل أن عادا خلفوا قوم نوح في الأرض، ويحتمل أنهم خلفوهم في مساكنهم، وهذا يفيد أن سلطان قوم عاد امتد إلى مناطق قوم نوح، مع ملاحظة أن هناك اتجاهين في كون قوم نوح هم سكان الأرض وحدهم، أو أنهم سكان منطقة محددة منها وهي مواضيع ستأتي في محلها وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً أي طولا وعرضا والمعنى: زاد طولكم على الناس بسطة أي جعلكم أطول من أبناء جنسكم فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ أي نعمه ومنته عليكم في استخلافكم وبسطة أجرامكم وما سواهما من عطاياه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بطاعة رسول الله فيما أنذركم به، وتذكركم نعمة الله فتشكرونه
قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا أنكروا واستبعدوا اختصاص الله وحده بالعبادة وترك دين الآباء في اتخاذ الأصنام شركاء معه؛ حبا لما نشئوا عليه؛ وقولهم أجئتنا يحتمل أن يكون لهود عليه السلام، مكان منعزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء قبل المبعث، فلما أوحي إليه جاء قومه يدعوهم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا أي من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أن العذاب نازل بنا
قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ الرجس: العذاب. والسخط: الغضب. وقوله قد وقع أي قد نزل، جعل المتوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أي من حجة. وقوله فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أي: في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات لأنكم تسمون الأصنام آلهة وهي خالية من معني الألوهية فَانْتَظِرُوا أي نزول العذاب إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ذلك.
يقول صاحب الظلال: والتعبير المتكرر في القرآن: ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ (هو تعبير موح عن حقيقة أصيلة .. إن كل كلمة أو شرع أو عرف أو تصور لم ينزله الله، خفيف الوزن، قليل الأثر، سريع الزوال .. إن الفطرة تتلقى هذا كله في استخفاف، فإذا جاءت الكلمة من الله ثقلت واستقرت ونفذت إلى الأعماق، بما فيها من سلطان الله
الذي يودعها إياه.