الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يعملون بالمعاصي، وفيهم رجل أعز منهم وأمنع، لا يغيره، إلا عمهم الله بعقاب، أو أصابهم العقاب» . رواه أبو داود أيضا. وروى الإمام أحمد أيضا .. عن عبيد الله بن جرير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر فمن يعملون، ثم لم يغيروه، إلا عمهم الله بعقاب» . وأخرجه ابن ماجه أيضا.
ولنلاحظ أن الحديث الأخير جعل استحقاق العذاب للجميع إذا وجدت القدرة في العزة والكثرة عند أهل الخير ثم لا يمنعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا شك أنه في كل زمان ومكان إذا كان بالإمكان أن يجتمع أهل الحق على حقهم، ويتغلبوا على الباطل وأهله فعليهم أن يفعلوا. ولننتقل إلى التوجيه الرابع:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ بترك الطاعة وارتكاب المعصية وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ بإفشاء أسرار المؤمنين للكافرين والمنافقين. قال السدي في هذه الآية: كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين أي: فهذه خيانة فلا ترتكبوها، وهذه قضية مهمة جدا في موضوع القتال. فمن
المعروف أن العدو يستفيد من أي كلمة تقال، فعلى المسلم أن يعتبر كل أسرار المؤمنين، ودولتهم، وجماعتهم أمانة عنده، فلا يفشيها، ولا ينقلها، ولا يحدث بها وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي تبعة ذلك الإفشاء ووباله، أو وأنتم تعلمون أنكم تخونون، يعني: أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو، أو وأنتم علماء تعلمون حسن الحسن، وقبح القبيح، والخيانة لله والرسول، وخيانة الأمانة، كل ذلك قبيح تعرفونه
وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ أي سبب الوقوع في الفتنة: وهي الإثم والعذاب، أو محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده، فاعلموا هذا حتى لا يستجركم مال، أو ولد، إلى خيانة لله والرسول، والأمانة وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ أي اعلموا ذلك من أجل أن تحرصوا على طلب ذلك، وتزهدوا في الدنيا، ولا تحرصوا على جمع المال، وحب الولد، فيخرجكم ذلكم عن الأمانة إلى الخيانة. فإن ثواب الله وعطاءه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد، فإنه قد يوجد منهم عدو وأكثرهم لا يغني عنكم من الله شيئا ..
فوائد:
1 -
لاحظنا أن هذا التوجيه الذي هو التوجيه الرابع في سياقه ينصب على قضية رئيسية
في شئون القتال، وهي عدم الخيانة لله ورسوله، وعدم الخيانة لأسرار المسلمين ولكنا كنا تحدثنا أن النص القرآني يعطينا من خلال سياقه الجزئي مدلولا، ومن خلال سياقه العام مدلولا، ومن خلال ما تحتمله ألفاظه مدلولا، كل منهم يكمل الآخر ولا يناقضه، وهذا ما نجده في هذه الآيات، فإذا كان السياق يفهمنا ألا نفشي أسرار المسلمين العسكرية، فإن لفظ الأمانة أوسع من هذا، ومن ثم فإن غيره يدخل فيه، فكل سر ائتمنك عليه أخوك ما لم يكن في كتمانه إثم فهو أمانة، وما ائتمنك عليه الله من تكليف أمانة وعليك ألا تخون.
2 -
القول الأقوى في سبب نزول هاتين الآيتين أنهما نزلتا في أبي لبابة بن عبد المنذر هذا ما ذكره عبد الرزاق عن قتادة والزهري قالا: أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك، وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح. ثم فطن أبو لبابة ورأى أنه قد خان الله ورسوله، فحلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه، وانطلق إلى مسجد المدينة فربط نفسه في سارية منه، فمكث كذلك تسعة أيام، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد، حتى أنزل الله توبته على رسوله صلى الله عليه وسلم، فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه، وأرادوا أن يحلوه من السارية فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فحله، فقال: يا رسول الله إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة فقال:
3 -
ومما يدل على أن الخيانة للأمانة يدخل فيها إفشاء أسرار المؤمنين، الحوار الوارد في الصحيحين في قصة حاطب بن أبي بلتعة، لما كتب إلى قريش يعلمها بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عام الفتح، فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك، فبعث في إثر الكتاب، فاسترجعه، واستحضر حاطبا، فأقر بما صنع، وفيها: فقام عمر بن الخطاب فقال:
يا رسول الله ألا أضرب عنقه؛ فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين؟ فقال: «دعه فإنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» .
قال ابن كثير: والصحيح أن الآية عامة وإن صح أنها وردت على سبب خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء.
4 -
بمناسبة قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ