الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ أي يا ربنا هؤلاء القادة، أو هؤلاء السابقون المتقدمون علينا قد أضلونا بالغواية والإغواء؛ فضاعف لهم العذاب في النار. قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ أي للقادة ضعف لغوايتهم وإغوائهم، لضلالهم وإضلالهم، وللأتباع ضعف لكفرهم ولاقتدائهم ولتقويتهم أمر القادة، فلولا الأتباع ما كان للقادة سلطان.
أو للمستقدمين ضعف بضلالهم وإضلالهم، وللمتأخرين ضعف بضلالهم ومتابعتهم وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ أي ما لكل فريق منكم من العذاب، أو لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر
وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ أي وقال القادة عن الأتباع، أو وقال السابقون عن اللاحقين فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ هذا يحتمل فما كان لكم علينا من نصرة، أو يحتمل أن لا فضل لكم علينا وإنا متساوون في استحقاق الضعف، أو يحتمل أن هذا من كلام الأمم السابقة لمن بعدها لأن المتأخرين كانوا يرون أنفسهم خيرا وأحسن وأرقى من المتقدمين فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ أي بكسبكم وكفركم وهو من قول الأولين للآخرين.
فائدة:
في عصرنا تسمع عبارات كثيرة كلها تعبر عن شعور المعاصرين أنهم خير من السابقين من مثل: عصرنا عصر النور، عصر المدنية، عصر التقدم، عصر حضارة القرن العشرين، عصر التحرر، وأمثال ذلك، كما تسمع عن الماضين: متأخرين جهلة، عصور الظلام، عصور الوحشية، وغير ذلك مما يفيد أن المعاصرين يحتقرون الماضين، مع ملاحظة أن كفر المعاصرين استمرار لكفر الماضين، والذي نرجحه في فهم الآية أن الآيتين السابقتين سجلتا هذا المعنى بشكاية المتأخرين للمتقدمين أنهم سبب ضلالهم، وشماتة الأولين بالآخرين إذ كانوا يدعون أن لهم فضلا على السابقين، فشمتوا بهم أن فضلهم ما حال بينهم وبين العذاب المضاعف، وفي مثل هذا التصوير، وفي تعدد المعاني الصحيحة التي يعطيها النص أحيانا تظهر بعض مظاهر الإعجاز في القرآن، وكيف أن منزله لا بد أن يكون هو الذي يعلم الحاضر والمستقبل، هو رب العالمين ولنعد إلى السياق:
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ بعد أن ذكر ما تقول الملائكة للكافرين عند الموت، وذكر ما يقول الله لهم يوم القيامة، عاد السياق ليحدثنا عما يكون للكافر عند الموت، على قول في فهم الآية، وما يكون للكافر يوم القيامة على فهم، فقوله تعالى:
لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ يحتمل أن يعني: ألا يؤذن لهم في صعود السماء ليدخلوا الجنة،
إذ هي في السماء، أو لا يصعد لهم عمل صالح، ولا تنزل عليهم البركة، أو لا تصعد أرواحهم إذا ماتوا كما تصعد أرواح المؤمنين إلى السماء، ويشهد لهذا الفهم الأخير النصوص، كما سنرى في الفوائد، فالآية على الفهم الأخير عودة إلى الحديث عما يكون للكافرين عند الموت وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الخياط والمخيط ما يخاط به: وهو الإبرة، وسم الخياط أي ثقب الإبرة، والجمل البعير أو الحبل الغليظ: وعلى هذا وهذا كثير من أئمة التفسير والمعنى: كما أنه لا يدخل الجمل
في ثقب الإبرة أبدا، كذلك هؤلاء لا يدخلون الجنة أبدا وتشبيه دخول الجنة بالدخول في سم الخياط يشير إلى أن دخول الجنة يحتاج إلى تواضع، وأن الطريق إلى الجنة دقيق وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ أي ومثل ذلك الجزاء الفظيع الذي وصفنا نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ أي الكافرين وجريمتهم التكذيب بآيات الله، والاستكبار عنها
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ أي فراش وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ أي أغطية جمع غاشية وهي الغطاء وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أنفسهم بالكفر،
وبعد أن فصل في مصير المكذبين المستكبرين بدأ يفصل في أمر المؤمنين وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي إلا طاقتها.
والتكليف: إلزام ما فيه كلفة ومشقة، فمن ظن أن الإسلام راحة جسد مطلقة فقد أخطأ الفهم ووهم، وذكر التكليف بقدر الطاقة بعد ذكر الإيمان والعمل الصالح؛ حتى لا يفهم فاهم أن دخول الجنة متوقف على ما لا يمكن عمله أُولئِكَ أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أي ماكثون فيها أبدا
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ أي من حقد كان بينهم في الدنيا، فلم يبتق بينهم إلا التواد والتعاطف، وهذا من تمام السعادة في الجنة، أنه ليس فيها إلا سلام حسي ومعنوي، ظاهري وباطني تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ لتتم لهم سعادة المنظر وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا أي لما هو وسيلة إلى هذا الفوز العظيم وهو الإيمان وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ أي وما كان يصح أن نكون مهتدين لولا هداية الله لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ يقولون ذلك سرورا بما نالوا، وإظهارا لما اعتقدوا، وفي كلامهم إشارة إلى أن إرسال الرسل لطف من الله بخلقه، واعتراف منهم بالفضل لأصحاب الفضل وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أي ونودوا بأنه تلكم الجنة أُورِثْتُمُوها أي أعطيتموها، سماها ميراثا لأنها لا تستحق بالعمل، بل هي محض فضل الله، ووعده على الطاعات، كالميراث ليس بعوض بل هو صلة خالصة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بسبب أعمالكم الصالحة، وفي الفوائد كلام عن هذا المقام، ومن تمام النعمة أن ترى خصم العقيدة في النار، وأن يراك في الجنة، وأن يطمع فيما أنت فيه الطامعون، ويأتي الآن حوار فيه مزيد من التفصيل عن حال أهل النار وأهل الجنة، وفيه عرض لنوع آخر من العذاب للكافرين، ونوع آخر من النعيم لأهل
الإيمان
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا من الثواب فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ من العذاب حَقًّا وإنما قالوا لهم ذلك شماتة بأصحاب النار، واعترافا بنعم الله قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أي فنادى مناد وهو مالك يسمع أهل الجنة والنار أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
الَّذِينَ يَصُدُّونَ أي يمنعون عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي عن دينه. وَيَبْغُونَها عِوَجاً أي ويطلبون لها الاعوجاج والتناقض وَهُمْ بِالْآخِرَةِ أي بالدار الآخرة كافِرُونَ اجتمع لهم الصد عن سبيل الله، وإرادتهم الإفساد، والكفر باليوم الآخر
وَبَيْنَهُما حِجابٌ أي وبين الجنة والنار، أو بين الفريقين حجاب هو السور المذكور في قوله تعالى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ. وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ أي على أعراف الحجاب وهو السور المضروب بين الجنة والنار والأعراف هي أعاليه جمع عرف، استعير من عرف الفرس وعرف الديك رِجالٌ من آخر المسلمين دخولا في الجنة، لاستواء حسناتهم وسيئاتهم، وفي الفوائد كلام. يَعْرِفُونَ كُلًّا أي من زمرة السعداء والأشقياء بِسِيماهُمْ أي بعلامتهم. قيل سيما المؤمنين بياض الوجوه ونضارتها، وسيما الكافرين سواد الوجوه وزرقة العيون وَنادَوْا أي أصحاب الأعراف أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ هي تحية، وهي تهنئة منهم لأهل الجنة ولا شك أن الإنسان يتساءل عن مصير أصحاب الأعراف ومن ثم جاء الجواب دون ذكر السؤال لكونه متوقعا لَمْ يَدْخُلُوها أي أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة وَهُمْ يَطْمَعُونَ في دخولها
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ أي أبصار أصحاب الأعراف وكأن صارفا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ أي ناحيتهم ورأوا ما هم فيه من العذاب قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ استعاذوا بالله، وفزعوا إلى رحمته، ألا يجعلهم معهم
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا من رءوس الكفرة يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ أي بعلامتهم قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ أي جمعكم المال، أو المراد به الكثرة والاجتماع وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أي واستكباركم على الحق وعلى الناس، لقد زال كل شئ ولم يبق لهم إلا الذل والعار والنار
أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ يحتمل أن هذا من خطاب الله ويحتمل أنه من كلام أهل الأعراف والمشار إليهم هم الفقراء والمستضعفون الذين دخلوا الجنة من قبل أو أهل الأعراف، ومعنى أقسمتم: حلفتم، والمعنى أقسمتم عليهم بأن لا يصيبهم الله برحمته أي لا يدخلهم الجنة، وذلك من احتقارهم إياهم لفقرهم. ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ هذا من كلام الله لأهل الأعراف. أي يقال لأصحاب الأعراف بعد أن نظروا إلى الفريقين وعرفوهم بسيماهم وقالوا ما قالوا.
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ